الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عدم المؤاخذة قبل الإنذار:
قال الشيخ رحمه الله: " المسلمون لا يحكمون على غيرهم بأنهم في النار إلا بشرط وهو: أن يكونوا قد بلغهم القرآن أو بيان معناه من دعاة الإسلام بلغة المدعوين؛ لقوله الله عز وجل: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} الأنعام: 19، وقوله سبحانه: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)} الإسراء: 15، فمن بلغتهم الدعوة الإسلامية من غير المسلمين وأصر على كفره فهو من أهل النار لما تقدم من الآيتين، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلَاّ كان من أهل النار" (1)، والأدلة في هذا المعنى من الآيات والأحاديث كثيرة. أما الذين لم تبلغهم الدعوة على وجه تقوم به الحجة عليهم فأمرهم إلى الله عز وجل، والأصح من أقوال أهل العلم في ذلك: أنهم يمتحنون يوم القيامة فمن أطاع الأوامر دخل الجنة ومن عصى دخل النار"(2).
الكفر حكم شرعي متلقى من نصوص الشريعة، والحكم به بمحض العقل ومجرد الرأي من القول على الله بغير علم (3).
يقول الشاطبي (4)
رحمه الله: " جرت سنته- سبحانه- في خلقه، أنه لا يؤاخذ بالمخالفة إلا بعد إرسال الرسل، فإذا قامت الحجة عليهم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولكلّ جزاء مثله؛ كما أنه تعالى أنزل القرآن برهاناً في نفسه على صحة ما فيه، وإقامة للحجة وزاد على يدي رسوله عليه الصلاة والسلام من المعجزات ما في بعضه كفاية"(5).
(1) أخرجه مسلم كتاب الإيمان باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
…
برقم (153).
(2)
فتاوى اللجنة (3/ 496 - 497).
(3)
ينظر: الشفا للقاضي عياض (2/ 1065)، درء التعارض (1/ 242)، منهاج السنة (5/ 244)، مختصر الصواعق المرسلة (2/ 421).
(4)
هو: أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي، محدث، فيه أصولي لغوي، كان من أئمة المالكية، مات سنة (790 هـ)، وله مؤلفات منها: الموافقات، وكتاب الاعتصام.
ينظر: معجم المؤلفين (1/ 77)، والأعلام (1/ 75).
(5)
الموافقات (3/ 377) بتصرف يسير.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والذي عليه السلف والأئمة أن الله تعالى لا يُعَذِّب إلا من بلغته الرسالة، ولا يعذِّب إلا من خالف الرسل كما دلّ عليه الكتاب والسنة، ومن لم تقم عليه الحجة في الدنيا بالرسالة كالأطفال، والمجانين وأهل الفترات (1)، فهؤلاء فيهم أقوال، أظهرها ما جاءت به الآثار أنهم يمتحنون يوم القيامة، فيبعث إليهم من يأمرهم بطاعته، فإن أطاعوه استحقوا الثواب، وإن عصوه استحقوا العذاب"(2).
(1) الفترة: هي ما بين كل نبييّن كانقطاع الرسالة بين عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم.
ينظر: تفسير ابن كثير (2/ 34).
(2)
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (1/ 310)، وينظر: طريق الهجرتين (ص 414)، ومدارج السالكين (1/ 188).