الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني
الحياة الآخرة، وما تتضمنها
.
تحدث الشيخ عبد الرزاق: عن الحياة الآخرة، وفصل في بعض مواقفها، فيما يلي:
أولاً: البعث:
البعث في اللغة:
يختلف تعريف البعث في اللغة باختلاف ما علق به (1)، فقد يطلق ويراد به:
1 -
الإرسال: يقال بعثت فلاناً أو ابتعثته أي أرسلته.
2 -
البعث من النوم: يقال: بعثه من منامه إذا أيقظه.
3 -
الإثارة: وهو أصل البعث، ومنه قيل للناقة: بعثتها إذا أثرتها وكانت قبل باركة.
والبعث في الشرع:
البعث في الشرع يراد به: إحياء الله الموتى وإخراجهم من قبورهم أحياء للحساب والجزاء (2).
المقارنة بين المعنى الشرعي واللغوي لكلمة "البعث":
نجد ترابطاً ظاهراً، وذلك أن من معاني البعث في اللغة الإثارة لما كان ساكناً من قبل، وكذا الإرسال كما في قوله تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} النحل: 36، وهذا ما جاء في كلمة البعث مراداً بها معناها الشرعي الذي هو إرسال الحياة إلى الأموات وإثارتها من جديد لتتهيأ لما يراد منها من الانطلاقة إلى الموقف للحساب (3).
(1) ينظر: تهذيب اللغة (2/ 334 - 335)، القاموس المحيط (1/ 168)، وغيرهما من كتب اللغة في مادة "بعث".
(2)
ينظر: تفسير القرآن العظيم (3/ 206)، شرح جوهرة التوحيد للبيجوري (ص 170)، العقائد الإسلامية لسيد سابق (ص 269)، فتح الباري (11/ 393)(3/ 4)، لوامع الأنوار البهية (2/ 157).
(3)
ينظر: الحياة الآخرة لغالب عواجي (1/ 62).
والبعث ثابت بالأدلة النقلية والعقلية، بأوجه متعددة، وطرق متنوعة، توجب القطع به، والإيمان بحصوله (1)، ولهذا " أجمع أهل الملل عن آخرهم على جوازه ووقوعه"(2)، ولم يشذ منهم إلا طوائف لا عبرة بها (3).
قال السفاريني (4): " اعلم أنه يجب الجزم شرعاً أن الله تعالى يبعث جميع العباد ويعيدهم بجميع أجزائهم الأصلية وهي التي شأنها البقاء من أول العمر إلى آخره، ويسوقهم إلى محشرهم لفصل القضاء، فإن هذا حق ثابت بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة "(5).
قال الشيخ رحمه الله معلقاً على قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62)} الواقعة: 58 - 62، "فهذه الآيات، ذكرت لتنزيه الله تعالى وتقديسه عما ظنه به منكرو البعث، وسيقت لإثبات قدرته على المعاد، كما يرشد إليه ما قبلها من الآيات "(6).
قال الشيخ رحمه الله: " يعيد الله سبحانه خلق الناس يوم القيامة من عجب الذنب فينبتون منه سوياً كما ينبت الزرع من الحب، والنخل من النوى، ثم يخرجون من قبورهم حفاة عراة
(1) ينظر: كتاب البعث لابن أبي داود، البعث والنشور للبيهقي، التذكرة (1/ 277)، مجموع الفتاوى (9/ 224)، شرح الطحاوية (2/ 589 - 597)، لوامع الأنوار البهية (2/ 157).
(2)
المواقف في علم الكلام للإيجي (ص 372).
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى (4/ 284، 262، 313 - 316)، شرح العقيدة الطحاوية (2/ 589)، لوامع الأنوار البهية (2/ 157 - 159)، واتفاق الشرائع على البعث للشوكاني، واليوم الآخر بين اليهودية والمسيحية والإسلام د. فرج الله عبد الباري (ص 120).
(4)
هو: محمد بن أحمد بن سالم السفاريني، أبو العون، أحد علماء الحديث والأصول والأدب، ولد في نابلس من قرى فلسطين، وتوفي بها سنة (1188 هـ)، له تصانيف عدة منها: غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، ولوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية، البحور الزاخرة في علوم الآخرة.
ينظر: الأعلام (6/ 14).
(5)
لوامع الأنوار (2/ 157).
(6)
ينظر: مذكرة التوحيد (21 - 22).
غرلاً (1)، سراعاً، كأنهم جراد منتشر أو فراش مبثوث لا يضلون طريق الموقف، بل هم أهدى إليه من القطا (2)، كأنهم إلى نصب يوفضون
…
ومن قرأ آيات البعث من سورة القمر والمعارج والقارعة وأمثالها يتبين له الكثير مما تقدم، وثبت في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنكم محشورون حفاة عراة غرلاً) ثم قرأ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)} الأنبياء: 104" (3).
إن الإيمان بالبعث أمر معلوم من الدين بالضرورة، ومنكره خارج عن الإسلام. ولقد خص ذكر اليوم الآخر بمزيد من العناية والتعظيم لشأنه في كتاب الله تعالى وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد أجمع على ذلك المسلمون؛ فإن المتتبع لطريقة القرآن الكريم في مجادلة خصوم العقيدة، يجد أن الاهتمام باليوم الآخر أخذ قسطاً واسعاً من تلك الحجج والبراهين الدامغة لمنكري اليوم الآخر، وكذا في السنة المطهرة (4).
قال علي بن أبي العز الحنفي رحمه الله: " القول الذي عليه السلف وجمهور العقلاء: أن الأجسام تنقلب من حال إلى حال فتستحيل تراباً، ثم ينشئها الله نشأة أخرى كما استحال في النشأة الأولى، فإنه كان نطفة ثم صار علقة ثم صار مضغة ثم صار عظاماً ولحماً ثم أنشأه خلقاً سوياً، كذلك الإعادة: يعيده الله بعد أن يبلى كله إلا عجب الذنب"(5).
ويقول ابن حزم: " اتفق أهل القبلة على تنابذ فرقهم على القول بالبعث في القيامة وعلى تكفير من أنكر ذلك، ومعنى هذا القول: أن لمكث الناس وتناسلهم في دار الابتلاء التي هي الدنيا أمداً يعلمه الله تعالى، فإذا انتهى ذلك الأمد مات كل من في الأرض، ثم يحيي الله عز
(1) جمع أغرل وهو الأقلف والأغلف الذي لا يختن.
ينظر: لسان العرب (11/ 490)، تاج العروس (30/ 87)، تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم لمحمد الحميدي (ص 159)، مشارق الأنوار للقاضي عياض (2/ 132)، غريب الحديث لابن الجوزي (2/ 154).
(2)
القطاة واحدة قطا وهو نوع من اليمام يُؤْثر الحياة في الصحراء ويتخذ أفحوصه في الأرض ويطير جماعات ويقطع مسافات شاسعة وبيضه هُرقَّط.
ينظر: المعجم الوسيط (2/ 748)"قطا".
(3)
فتاوى اللجنة (3/ 458 - 459).
(4)
ينظر: الحياة الآخرة ما بين البعث إلى دخول الجنة أو النار للدكتور غالب عواجي (1/ 73).
(5)
شرح الطحاوية (ص 464).