الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على كلام ابن مسعود المتقدم، فقال:"لأن الحلف بالله كاذباً فيه توحيد، والحلف بغير الله صادقاً شرك، وحسنة التّوحيد أعظم من حسنة الصّدق وسيِّئة الشرك أشدّ من سيِّئة الكذب"(1).
3 - الاستهزاء بشيء فيه ذكر الله:
يقرر الشيخ رحمه الله: "أن سب الدين والاستهزاء بشيء من القرآن والسنة والاستهزاء بالمتمسك بهما نظراً لما تمسك به كإعفاء اللحية وتحجب المسلمة؛ هذا كفر إذا صدر من مكلف، وينبغي أن يبين له أن هذا كفر فإن أصر بعد العلم فهو كافر، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} التوبة: 65 - 66"(2).
"من استهزأ بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول أو بشيء من السنة؛ فقد كفر بالله عز وجل لاستخفافه بالربوبية والرسالة، وذلك مناف للتوحيد، وكفر بإجماع أهل العلم.
قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)} التوبة: 65 - 66، وقد جاء بيان سبب نزول هاتين الآيتين الكريمتين؛ أنه ما حصل من المنافقين في بعض الغزوات من سخرية بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فقد روى ابن عمر، محمد بن كعب، وزيد بن أسلم، وقتادة (3)؛ (أنه قال رجل في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا
(1) نقلاً من إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (2/ 162) لم أقف إلى اللحظة على كلام الشيخ في مؤلفاته.
(2)
ينظر: فتاوى اللجنة (1/ 387).
(3)
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (دخل حديث بعضهم في بعض) أي أن الحديث مجموع من رواياتهم فلذلك دخل بعضه في بعض، ينظر: فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (ص 481).
أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء _ يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء _. فقال له عوف بن مالك: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق). قال ابن عمر: " كأني أنظر إليه متعلقاً بنسعة (1)
ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الحجارة تنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب. فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} التوبة: 65 - 66، وما يلتفت إليه وما يزيده عليه" (2).
ففي هذه الآيتين الكريمتين مع بيان سبب نزولهما دليل واضح على كفر من استهزأ بالله أو رسوله أو آيات الله أو سنة رسوله أو بصحابة رسول الله؛ لأن من فعل ذلك، فهو مستخف بالربوبية والرسالة، وذلك مناف للتوحيد والعقيدة، ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب (3) رحمه الله: "القول الصريح في الاستهزاء هذا وما شابهه، وأما الفعل الصريح؛ فمثل مد الشفة وإخراج اللسان ورمز العين وما يفعله كثير من الناس عند الأمر بالصلاة والزكاة؛ فكيف بالتوحيد؟! "(4).
(1) النِّسْعُ بالكسر: سَيْرٌ مَضْفور يُجعل زماما للبعير وغيره، وقد تُنْسَجُ عَريضة تُجْعل على صَدر البعير، والقطعة منه نِسْعَةٌ وسمي نسْعاً لطوله.
ينظر: القاموس المحيط (1/ 990)، المحيط في اللغة للطلقاني (1/ 367)، النهاية في غريب الأثر (5/ 115)، كتاب العين (1/ 338).
(2)
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره، برقم (16911 - 16916)، وابن أبي حاتم (4/ 64) عن ابن عمر. وقال الشيخ مقبل في الصحيح المسند (ص 71):"إسناد ابن أبي حاتم حسن".
(3)
هو: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي مجدد ما اندرس من العقيدة في الجزيرة العربية، توفي رحمه الله في الدرعية سنة (1206 هـ)، وله مؤلفات ورسائل عديدة أهمها وأشهرها كتاب التوحيد.
ينظر: الأعلام (6/ 257)، وعلماء نجد خلال ثمانية قرون للشيخ عبد الله البسام (1/ 125).
(4)
ينظر: الشرح الميسر لكتاب التوحيد لعبد الملك بن محمد بن عبد الرحمن القاسم (ص 258)، وحاشية كتاب التوحيد لابن قاسم (49/ 5).