الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
في تعريف التوحيد وأقسامه
بين الشيخ رحمه الله تفرد الله سبحانه وتعالى باستحقاق العبادة، فقال:" أثبت الله تعالى لنفسه التفرد باستحقاق الألوهية، وأنكر أن يكون غيره مستحقاً لذلك؛ استقلالاً واشتراكاً لتنافيهما في الموجب، وهو الخلق؛ فلله الخلق والأمر (1) وحده، وغيره ليس إليه شيء من ذلك"(2).
وبناء على ذلك فإن الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله يرى أن الإيمان بالله يعني توحيد الله تعالى المتضمن لتوحيده سبحانه في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
ولهذا يحسن تعريف التوحيد وبيان أقسامه عند أهل السنة والجماعة:
أ- تعريف التوحيد:
عرف الشيخ رحمه الله التوحيد لغةً بقوله: "جعل المتعدّد واحداً، ويُطلق على اعتقاد أن الشيء واحد متفرد.
أما شرعاً فيطلق على تفردّ الله بالربوبية والإلهية، وكمال الأسماء والصفات " (3).
وبمثل هذا يوجد في المعاجم اللغوية.
(1) كثيراً ما يقرن الله سبحانه وتعالى بين الخلق، والأمر، كما في قوله:{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} الأعراف: 54، وذلك أنه الخالق الآمر الناهي، فكما أنه لا خالق سواه، فليس على الخلق إلزام، ولا أمر، ولا نهي إلا من خالقهم، وأيضاً فإن خلقه للخلق، فيه من التدبير القدري الكوني، وأمره فيه التدبير الشرعي الديني، فكما أن الخلق لا يخرج عن الحكمة، فلم يخلق شيئا عبثا، فكذلك لا يأمر ولا ينهى، إلا بما هو عدل، وحكمة، وإحسان. وقوله "الخلق" بيان لتوحيد الربوبية .. و"الأمر" بيان لتوحيد الألوهية؛ والربوبية تتضمن: توحيد الأسماء والصفات، والألوهية تتضمن: الأمر والنهي المقتضي لحساب يوم الدين.
ينظر: تيسير الكريم الرحمن للعلامة عبد الرحمن السعدي (ص 502)، وتفسير التحرير والتنوير لابن عاشور (8/ 169)، بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية (2/ 454)، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي (1/ 81).
(2)
ينظر: الإحكام في أصول الأحكام، تعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي (3/ص 228).
(3)
مذكرة التوحيد (ص 5).
فالتوحيد أصل مادته (وَحَدَ)، وتدور هذه المادة على الانفراد والاختصاص (1).
يقول ابن فارس (2): " الواو، والحاء، والدال: أصل واحد يدل على الانفراد"(3).
وعليه فتوحيد الله تعالى معناه: إفراده تعالى بما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات (4).
وقد وافق الشيخ عبد الرزاق عفيفي تعريف السلف رحمهم الله جميعاً.
ب- أقسام التوحيد عند أهل السنة والجماعة:
يبين الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله أقسام التوحيد عند أهل السنة والجماعة بقوله: "والتوحيد - عند أهل السنة والجماعة - ينقسم إلى ثلاثة أقسام (5):
1 -
توحيد الربوبية.
(1) ينظر: تهذيب اللغة للأزهري (4/ 3844 - 3848)، الصحاح للجوهري (2/ 547)، لسان العرب لابن منظور (3/ 70)، القاموس المحيط للفيروز آبادي (ص 414).
(2)
هو أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد القزويني، أبو الحسين، الإمام اللغوي، ولد بقزوين حوالي 306/ 308 هـ، له مصنفات منها: معجم مقاييس اللغة، ومجمل اللغة، توفي سنة 395 هـ.
ينظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (17/ 103)، شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد (3/ 132)، الوافي بالوفيات للصفدي (7/ 181).
(3)
معجم مقاييس اللغة لابن فارس (ص 1084).
(4)
ينظر: مدارج السالكين لابن القيم (3/ 449)، تيسير العزيز الحميد لسليمان بن عبد الله (ص 17)، لوامع الأنوار البهية للسفاريني (1/ 57)، القول السديد لابن سعدي (ص 10)، القول المفيد لابن عثيمين (1/ 5).
(5)
للعلماء عبارات مختلفة في تقسيم التوحيد، فمنهم من قال: التوحيد قسمان:
1 -
توحيد المعرفة والإثبات.
2 -
توحيد القصد والطلب. ومنهم من قال: التوحيد قسمان:
1 -
التوحيد العلمي الخبري.
2 -
التوحيد الإرادي الطلبي. ومنهم من قال: التوحيد قسمان:
1 -
التوحيد القولي.
2 -
التوحيد العملي. ويقول بعضهم: التوحيد قسمان:
1 -
توحيد السيادة.
2 -
توحيد العبادة. وبعض العلماء يذكر له ثلاثة أنواع - كما ذكرها الشيخ رحمه الله وهي على تنوعها متفقة في المضمون.
ينظر: مجموع الفتاوى (1/ 367)، مدارج السالكين لابن القيم (3/ 449 - 450)، معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات لمحمد بن خليفة التميمي (1/ 46).
2 -
توحيد الألوهية. ويسمى-أيضاً-:توحيد العبادة، وتوحيد الإرادة والقصد، وتوحيد الطلب (1).
3 -
توحيد الأسماء والصفات. ويقال له أيضاً: توحيد الخبر، وتوحيد المعرفة والإثبات (2) ". (3)
وقد دل على ذلك استقراء النصوص من الكتاب والسنة (4).
ونصوص القرآن العظيم تدل على أن توحيد الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول - توحيده في ربوبيته:
وهذا النوع من التوحيد جبلت عليه الفطر؛ وكثر في القرآن العظيم الاستدلال على الكفار باعترافهم بربوبيته جلَّ وعلا على وجوب توحيده في عبادته. ولذلك يخاطبهم في توحيد الربوبية باستفهام التقرير. فإذا أقروا بربوبيته احتج بها عليهم على أنه هو المستحق لأن يعبد وحده. ووبَّخهم منكراً عليهم شركهم به غيره، مع اعترافهم بأنه هو الرب وحده. لأن من اعترف بأنه هو الرب وحده لزمه الاعتراف بأنه هو المستحق لأن يعبد وحده؛ والآيات بنحو هذا كثيرة جداً. ولأجل ذلك فكل الأسئلة المتعلِّقة بتوحيد الربوبية استفهامات تقرير، يراد منها أنهم إذا أقروا رتب لهم التوبيخ والإنكار على ذلك الإقرار. لأن المقر بالربوبية يلزمه الإقرار بالألوهية ضرورة (5).
والآيات الدالة على ذلك كثيرة جداً:
(1) يسمى توحيد الألوهية بتوحيد القصد لأنه مبني على إخلاص القصد المستلزم لإخلاص العبادة، وتوحيد الإرادة لأنه مبني على إرادة وجه الله بالأعمال، وتوحيد العمل لأنه مبني على إخلاص العمل لله، وتوحيد الألوهية باعتبار إضافته إلى الله.
ينظر: تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد لسليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (ص 38)، والدين الخالص لمحمد صديق حسن (1/ 60)، القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح العثيمين (1/ 9).
(2)
وتطلق هذه التسمية كذلك على توحيد الربوبية.
(3)
مذكرة التوحيد (ص 29) بتصرف يسير، وينظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (1/ 55).
(4)
ينظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (1/ 225 - 226)، مدارج السالكين (1/ 24 - 25)، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (1 - 125)، تيسير العزيز الحميد (ص 32)، فتح المجيد لعبد الرحمن بن حسن (1/ 79)، القول السديد لابن سعدي (ص 10)، أضواء البيان للشنقيطي (3/ 488 - 493)، القول المفيد لابن عثيمين (1/ 5)، القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد للعباد (ص 17 - 49).
(5)
ينظر: أضواء البيان للشنقيطي (3/ 488 - 493)، والقول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد للعباد (ص 17 - 18، 22 - 49)، والشرك في القديم والحديث لأبي بكر محمد زكريا (1/ 65، 66).
قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87)} الزخرف: 87 الآية، وقال:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31)} يونس: 31.
وهذا النوع من التوحيد لا ينفع إلا بإخلاص العبادة لله حتى يصير به العبد مسلماً. كما قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)} يوسف: 106؛ لأن الله تبارك وتعالى حكى عن المشركين القدامى إقرارهم بهذا التوحيد، كما قال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87)} الزخرف: 87، فلم يكونوا بهذا الإقرار مسلمين، وذلك لعدم إخلاصهم العبادة لله وحده (1).
قال شيخ الإسلام (2)
رحمه الله: " وهذا التوحيد هو من التوحيد الواجب، لكن لا يحصل به الواجب، ولا يخلص بمجرده عن الإشراك الذي هو أكبر الكبائر الذي لا يغفره الله، بل لا بد أن يخلص لله الدين، فلا يعبد إلا إياه، فيكون دينه لله"(3).
الثاني - توحيده جلَّ وعلا في عبادته:
وضابط هذا النوع من التوحيد هو تحقيق معنى «لا إله إلا الله» وهي متركبة من نفي وإثبات. فمعنى النفي منها: خلع جميع أنواع المعبودات غير الله كائنة ما كانت في جميع
(1) ينظر: أضواء البيان للشنقيطي (3/ 488)، القواعد الحسان في تفسير القرآن للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ص 168)، تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد لسليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (ص 43).
(2)
هو شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني، الفقيه المجتهد المفسر، كان يتوقد ذكاءً وكان رأساً في الزهد والعلم والكرم والشجاعة، له تصانيف كثيرة سارت بها الركبان، وكان سيفاً على المبتدعة، عرف أقوال المتكلمين وبرع في ذلك ثم رد عليهم، وقد امتحن وأوذي مرات، توفي: محبوساً بقلعة دمشق سنة (728 هـ) له مؤلفات كثيرة منها: درء التعارض، ومنهاج السنة، واقتضاء الصراط المستقيم.
ينظر: العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية لمحمد بن عبد الهادي، وتذكرة الحفاظ (4/ 1496)، وشذرات الذهب (6/ 83).
(3)
اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم (ص 460).
أنواع العبادات كائنة ما كانت. ومعنى الإثبات فيها: إفراد الله جلَّ وعلا وحده بجميع أنواع العبادات بإخلاص، على الوجه الذي شرعه على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام.
وأكثر آيات القرآن في هذا النوع من التوحيد، وهو أهم مهمات الرسل إلى أممهم، ومن أجله حصل الجدال وشرع الجهاد، وخلق الجن والإنس، وأنزلت الكتب وأرسل الرسل، وبسببه انقسم الناس إلى شقي وسعيد، وخلقت الجنة والنار (1).
ومن الآيات الدالة على هذا النوع من التوحيد قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} محمد: 19، وقوله:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} الأنبياء: 25، وقوله:{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)} الزخرف: 45، وقوله:{قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108)} الأنبياء: 108، ولفظة
…
{إِنَّمَا} من صيغ الحصر، فكأن جميع ما أوحي إليه منحصر في معنى «لا إله إلا الله» ، وحصر الوحي هنا في توحيد العبادة، حصر له في أصله الأعظم الذي يرجع إليه جميع الفروع، لأن شرائع الأنبياء كلهم داخلة في ضمن معنى «لا إله إلا الله» لأن معناها، خلع جميع المعبودات غير الله جل وعلا في جميع أنواع العبادات، وإفراده جل وعلا وحده بجميع أنواع العبادات، فيدخل في ذلك جميع الأوامر والنواهي القولية والفعلية والاعتقادية. والآيات في هذا النوع من التوحيد كثيرة (2).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والتوحيد الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب هو توحيد الإلهية، وهو أن يُعبد الله وحده لا شريك له، وهو متضمن لشيئين: أحدهما: (القول العملي): وهو إثبات صفات الكمال له وتنزيهه عن النقائص وتنزيهه عن أن يماثله أحد في شيء من صفاته فلا يوصف بنقص بحال ولا يماثله أحد في شيء من الكمال في سورة الإخلاص فالصمدية تثبت له الكمال والأحدية تنفي مماثلة شيء له في ذلك.
(1) ينظر: مجموع الفتاوى (1/ 21)، إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات لمحمد بن علي الشوكاني (ص 5)، تيسير العزيز الحميد لسليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (ص 36).
(2)
أضواء البيان (2/ 169)، وينظر: القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد للعباد (ص 18، 22، 23).
و (التوحيد العملي الإرادي): أن لا يعبد إلا إياه فلا يدعو إلا إياه ولا يتوكل إلا عليه ولا يخاف إلا إياه ولا يرجو إلا إياه ويكون الدين كله لله " (1).
النوع الثالث - توحيده جلَّ وعلا في أسمائه وصفاته. وهذا النوع من التوحيد ينبني على أصلين:
الأول - تنزيه الله جلَّ وعلا عن مشابهة المخلوقين في صفاتهم. كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} الشورى: 11.
والثاني - الإيمان بما وصف الله به نفسه. أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم على الوجه اللائق بكماله وجلاله. كما قال بعد قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} الشورى: 11، مع قطع الطمع عن إدراك كيفية الاتصاف، قال تعالى:{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)} طه: 110 (2).
وما ذهب إليه الشيخ عبد الرزاق رحمه الله من تقسيم التوحيد، موافق للحق الذي عليه أهل السنة والجماعة.
قال الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله: " وفائدته -أي التوحيد- تصحيح العقيدة، والسلامة في العواقب، ونيل السعادة في الدارين"(3).
قال ابن القيم (4)
رحمه الله: " اعلم أن حاجة العبد إلى أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً -في محبته، ولا في خوفه، ولا في رجائه، ولا في التوكل عليه، ولا في العمل له، ولا في الحلف به، ولا في النذر له، ولا في الخضوع له، ولا في التذلل والتعظيم والسجود والتقرب-
(1) الصفدية لابن تيمية (2/ 228 - 229).
(2)
ينظر: أضواء البيان (3/ 488 - 493)، القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد للعباد (ص 17 - 49).
(3)
مذكرة التوحيد (ص 6، 9).
(4)
هو: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي ثم الدمشقي، الفقيه المجتهد المفسر النحوي الأصولي، الشهير بابن القيم، لازم شيخ الإسلام ابن تيمية وأحذ عنه واستفاد منه كثيراً، وقد امتحن وأوذي مرات، توفي: سنة (751 هـ)، وله مصنفات عديدة منها: زاد المعاد، ومفتاح دار السعادة، والصواعق المرسلة وغيرها.
ينظر: شذرات الذهب (6/ 168)، والأعلام (6/ 56)، ومعجم المؤلفين لعمر رضا كحالة (3/ 164).
أعظم من حاجة الجسد إلى روحه، والعين إلى نورها، بل ليس لهذه الحاجة نظير تقاس به، فإن حقيقة العبد روحه وقلبه، ولا صلاح لها إلا بإلهها الذي لا إله إلا هو، فلا تطمئن في الدنيا إلا بذكره، وهي كادحة إليه كدحاً فملاقيه، ولا بد لها من لقائه، ولا صلاح لها إلا بمحبتها وعودتها إليه، ورضاه وإكرامه لها" (1).
وقال ابن أبي العز (2) رحمه الله: " وحاجة العباد إليه -أي علم التوحيد- فوق كل حاجة، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة، لأنه لا حياة للقلوب، ولا نعيم ولا طمأنينة، إلا بأن تعرف ربها ومعبودها وفاطرها بأسمائه وصفاته وأفعاله، ويكون مع ذلك كله أحب إليها مما سواه، ويكون سعيها فيما يقربها إليه دون غيره من سائر خلقه.
ومن المحال أن تستقل العقول بمعرفة ذلك وإدراكه على التفصيل، فاقتضت رحمة الله العزيز الرحيم أن يبعث الرسل به معرفين، وإليه داعين، ولمن أجابهم مبشرين، ولمن خالفهم منذرين، وجعل مفتاح دعوتهم، وزبدة رسالتهم معرفة المعبود سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله، إذ على هذه المعرفة تبنى مطالب الرسالة كلها من أولها إلى آخرها" (3).
(1) طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن قيم الجوزية (99 - 100)، وينظر: مدارج السالكين لابن قيم (3/ 411 - 412)، دعوة التوحيد لمحمد بن خليل هراس (ص 7).
(2)
هو: علي بن علي بن محمد بن أبي العز الأذرعي، الدمشقي، الصالحي، المعروف بابن أبي العز، حنفي، القاضي الفقيه، توفي سنة (792 هـ). من مؤلفاته: شرح العقيدة الطحاوية - سلك فيها طريقة السلف-، الاتباع، التنبيه على مشكلات الهداية.
ينظر: شذرات الذهب (6/ 326)، الدرر الكامنة لابن حجر (3/ 87)، الأعلام (4/ 313).
(3)
شرح العقيدة الطحاوية (ص 109).