الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرد على بعض الاستدلالات على إعجاز القرآن
(1):
(1) تعريف الإعجاز: الإعجاز مشتق من العجز: الضعف أو عدم القدرة. والإعجاز مصدر أعجز: وهو بمعنى الفوت والسبق. والمعجزة في اصطلاح العلماء: أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة.
وإعجاز القرآن يقصد به: إعجاز القرآن الناس أن يأتوا بمثله -أي نسبة العجز إلى الناس بسبب عدم قدرتهم على الإتيان بمثله-.
تعريف العلم: وصف الإعجاز هنا بأنه علمي نسبة إلى العلم. والعلم: هو إدراك الأشياء على حقائقها، أو هو صفة ينكشف بها المطلوب انكشافاً تاماً. والمقصود بالعلم في هذا المقام: العلم التجريبي.
وعليه فيعرف الإعجاز العلمي بما يلي:
هو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.
ينظر: تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة تأليف الشيخ عبد المجيد الزنداني، أ. د. سعد يلدرم، الشيخ محمد الأمين ولد محمد (ص 17 - 18)، لسان العرب مادة عجز (5/ 370)، والمفردات للراغب الأصفهاني (ص 322، 343)، وإرشاد الفحول للشوكاني (ص 4).
أ- يرد الشيخ رحمه الله على رشاد خليفة (1)
في الاستدلال على مسألة: دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، فيقول: " إن قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} النمل: 88، دليل على دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس وجعل إثبات ذلك بالقرآن معجزة خالدة، وهذا خطأ بل تحريف للقرآن عن مواضعه وتفسير له بغير ما قصد منه ودل عليه وسياق الكلام، فإن الآية نزلت بيانا لأهوال يوم القيامة عند النفخ في الصور، بدليل قوله تعالى:{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)} النمل: 87، ثم قال بعدها: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً
…
}، ونظير ذلك قوله تعالى:{إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)} الواقعة: 4 - 6، فتفسيرها بدوران الأرض لتكون معجزة مخالف لسياق الكلام وخروج بها عن نظائرها من آيات القرآن الواردة في نفس الموضوع بل مخالف لظاهر الآية نفسها فإن الدوران لا يقابل الجمود بل الذي يقابل جمود الجبال وجعلها رواسي
(1) هو: رشاد خليفة مصريّ، ولد في مدينة كفر الزيات بمحافظة الغربية بجمهورية مصر العربية، هاجر إلى الولايات المتحدة للدراسة في (1959 م) وتخصّص في مجال الكيمياء الحيوية وحصل على الجنسية الأمريكية في ما بعد ليصبح مواطناً أمريكياً، عمل خبيراً لدى اليونسكو. استخرج رشاد علاقة مزعومة بين الرقم 19 والقران الكريم بشكل عام، وكلماته وحروفه بشكل خاص، وقام بتأليف العديد من الكتب فيما يتعلق بالرقم 19 والقرآن الكريم، ثمّ جعله في كتاب بعنوان:(معجزة القرآن الكريم)، وكانت الطبعة الأولى عام 1983 م. أسّس جمعية "المسلمون المتّحدون الدولية" والتي تدعو إلى الإسلام بالله وحده لا شريك له، وتنبذ العمل بالسنة وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ادعى أنه الرسول المصدق المذكور في آل عمران: 81: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)} ، وطرح مفهوما بديلا للمفهوم الإسلامي القائل إن محمد هو آخر المرسلين، فقال أن النبي هو نوع خاص من الرسل يبلغ كتاب يحوى نبوءات، أما الرسول فقط فيبين للناس النبوءات التي يحويها كتابهم الموجود بالفعل، وعلى ذلك فمحمد هو خاتم الأنبياء لأن القرآن هو آخر كتاب من الله. وفي 31 يناير (1990 م)، مات رشاد خليفة مطعونا في مسجد توسان من ولاية أريزونا والاعتقاد الشائع أن الفاعل هو جماعة "الفقراء" الباكستانيّة وقيل غيرهم.
ينظر: رشاد خليفة على موقع http://ar.wikipedia.org.
للأرض كونها هباء منبثا كالعهن المنفوش تطيرها الرياح فتمر مر السحاب بعد أن كانت أحجارا صلبة متماسكة مستقره على الأرض أوتادا لها. فكيف يجعل الخطأ في بيان المراد من الآية معجزة يثبت بها أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، وأن القرآن تَنَزل من رب العالمين" (1).
هناك قاعدة عظيمة لأهل العلم وهي: أن قطعي الوحي وقطعي العقل لا يتعارضان، فقطعي العقل يؤيد قطعي الوحي، ولذا ألف شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه العظيم (درء تعارض العقل والنقل) في أحد عشر مجلداً، فإن حدث تعارض بين العقل والنقل فالقطعي منهما يقضي على الظني، وإن حدث تعارض بين ظني الوحي وظني العقل فظني الوحي مقدم، حتى يثبت العقلي أو ينهار.
ودوران الأرض من الأمور التي لم يرد فيها نفي ولا إثبات لا في الكتاب ولا في السنة.
(1) مجموعة ملفات الشيخ عبد الرزاق عفيفي (ص 79).
وأسوق الأقوال في هذه المسألة:
القول الأول: أن الشمس هي التي تدور على الأرض.
ووجه الدلالة أن إبراهيم عليه السلام، قال:{فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ} البقرة: 258؛ إذاً الله أتى بها من المشرق؛ وهم يقولون: إن الله لم يأت بها من المشرق؛ ولكن الأرض بدورتها اطلعت عليها.
والله سبحانه وتعالى لم يقل: إن الله يدير الأرض حتى تُرى الشمس من المشرق؛ فأدرها حتى تُرى من المغرب! ويجب علينا أن نأخذ في هذا الأمر بظاهر القرآن، وألا نلتفت لقول أحد مخالف لظاهر القرآن؛ لأننا متعبدون بما يدل عليه القرآن؛ هذا من جهة؛ ولأن الذي أنزل القرآن أعلم بما خلق قال تعالى:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} الملك: 14؛ فإذا كان يقول في كلامه إن الشمس: «تأتي» ، و «تطلع» ، و «تغرب» ، و «تزول» ، و «تتوارى» ؛ كل هذه الأفعال يضيفها إلى الشمس؛ لماذا نحن نجعلها على العكس من ذلك، ونضيفها إلى الأرض!!!
وعلى هذا نقول: إنَّ الشمس هي التي بدورانها يكون الليل والنهار، لأن الله أضاف الأفعال إليها، والنبي صلى الله عليه وسلم حينما غربت الشمس قال لأبي ذر رضي الله عنه:(أتدري أين تذهب؟)(1) فأسند الذَّهاب إليها، ونحن نعلم علم اليقين أن الله تعالى أعلم بخلقه ولا نقبل حدْساً ولا ظناً، ولكن لو تيقنا يقيناً أن الشمس ثابتة في مكانها وأن الأرض تدور حولها، ويكون الليل والنهار، فحينئذ تأويل الآيات واجب حتى لا يخالف القرآن الشيء المقطوع به.
ومن الآيات الدالة على هذا المعنى قول الله تبارك وتعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} النمل: 88.
بعض الناس قال إنَّ هذه الآية تعني دوران الأرض، فإنك ترى الجبال فتظنها ثابتة ولكنها تسير، وهذا غلط وقول على الله تعالى بلا علم لأن سياق الآية يأبى ذلك كما قال تعالى:
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الفتن، باب ما جاء في طلوع الشمس من مغربها برقم (2186)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (5/ 186) برقم (2186).
فالآية واضحة أنها يوم القيامة، وأما من زعم بأن يوم القيامة تكون الأمور حقائق وهنا يقول:{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} فلا حسبان في الآخرة، فهذا غلط أيضاً لأنه إذا كان الله أثبت هذا فيجب أن نؤمن به ولا نحرفه بعقولنا، ثم إن الله يقول:{يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)} الحج: 2، فإذا قلنا إن زلزلة الساعة هي قيامها، فقد بيَّن الله أن الناس يراهم الرائي فيظنهم سكارى وما هم بسكارى، وعلى كل حال فإن الواجب علينا جميعاً أن نجري الآيات على ظاهرها وأن نعرف السياق لأنه يعين المعنى، فكم من جملة في سياق يكون لها معنى ولو كانت في غير هذا السياق، لكان لها معنى آخر، ولكنها في هذا السياق يكون لها المعنى المناسب لهذا السياق (1).
(1) ينظر مراجع القول الأول: مفتاح دار السعادة لابن القيم (2/ 55)، فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ (13/ 97)، تفسير القرآن للعثيمين تفسير سورة الكهف (6/ 23) و (6/ 64)، لقاءات الباب المفتوح هي عبارة عن سلسلة لقاءات كان يعقدها فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - طيب الله ثراه - بمنزله كل خميس. ابتدأ الشيخ هذه اللقاءات في أواخر شوال تقريباً في العام (1412 هـ) وانتهت هذه السلسلة في الخميس الرابع عشر من شهر صفر، عام (1421 هـ). وهي مسجلة قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية (97/ 21).
القول الثاني: أن الأرض هي التي تدور حول نفسها وحول الشمس.
ومن أدلة هذا القول، قوله تعالى:{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)} النمل: 88، ووجه الاستدلال في هذه الآية الكريمة، أنه تعالى عرضها في مساق التذكير والتنبيه على قدرته الباهرة في هذا الكون.
فإن الخطاب للبشر هنا في الدنيا، لأن الآية وردت بصيغة الخطاب: قال تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ
…
} الآية، بنصب الجبال بالبناء للمعلوم، فهو تعالى يخاطب البشر، يخاطب كل ناظرٍ وكل عاقل، يرى بعينيه شيئاً يدعوه إلى التفكر والتأمل.
وقد يقول قائل: إن الآية وردت في سياق حديث الآخرة، وليست حكاية عن أحوال الدنيا؟
فيجاب بأن هذا القول بعيد، للأسباب التالية:
أولاً: اختلاف الصيغة عن سابقاتها في التعبير، فهناك قال سبحانه:{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} النمل: 87، بالبناء للمجهول، وهنا وردت العبارة بلفظ الخطاب، ولو كان الحديث عن الآخرة لجاء التعبير (وتُرى الجبالُ) بالبناء للمجهول، على النسق السابق، أي تُرى في ذلك اليوم الجبالُ، برفع الجبال لا بنصبها، لأنه يصبح خبراً لا خطاباً، فهذه المغايرة تدل على أن الأمر هنا في الدنيا.
ثانياً: لفت القرآن أنظار المتأملين في آياته البينات، لفتة بديعة رائعة في قوله سبحانه:{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} النمل: 88،فبين أن هذه الغرائب المدهشة في الدنيا هي أثر صنع الله وتدبيره لهذا الكون، والخراب والدمار لا يسمى صنعاً، ولا يدخل في حيز الإتقان، فعند قيام الساعة تتزلزل الجبال وتتطاير، ومثلُ هذا لا يقال له: صنعٌ، ولا يوصف بالإتقان.
ثالثاً: أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق أن الناس يحشرون يوم القيامة على أرض بيضاء مستوية كما في الصحيحين: (يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء، عفراء، كقُرصة النَقِيِّ، ليس فيها عَلَمٌ لأحدٍ)(1)،أي مثل قرص الخبز الأبيض، الخالص البياض، فأين هي
(1) متفق عليه من حديث سهل بن سعد الساعدي، أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب يقبض الله الأرض يوم القيامة، برقم (6521)، ومسلم، في كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب في البعث والنشور وصفة الأرض يوم القيامة، برقم (2790).
الجبال حتى ينظر الناس إليها يوم القيامة؟ فهذا نص قاطع على أنه ليس في الآخرة جبال ولا وهاد، ولا قصور ولا بناء.
ومن الآيات الدالة أيضاً قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)} الأنبياء: 33، فقد أشارت الآية الكريمة، إشارة دقيقة لطيفة، إلى حركة الأرض ودورانها، للمتمعن في النص القرآني المعجز.
ووجه الاستدلال بالآية الكريمة من طريقين:
الأول: إطلاق الظرف الزماني وإرادة المظروف، فإن كلا من الليل والنهار ظرف زمان، ولا بد لهما من مكان، والمكان الذي يظهر فيه نور الليل والنهار هو الأرض؛ وإطلاق ظرف الزمان، وإرادة المحل والمكان، معروف في اللغة ومشهور، كإطلاق الصفة وإرادة الموصوف، والقرآن نزل بلغة العرب، وبالأساليب التي يتخاطبون بها.
الثاني: إن الله تعالى عبر عن هذه الأفلاك بصيغة الجمع فقال: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)} الأنبياء: 33، ولو كان الكلام عن الشمس والقمر فحسب، لذكرهما بلفظ التثنية، فقال:(يسبحان) فدل على أن الليل والنهار يسبحان أيضاً، ولما كان المراد بالليل والنهار الأرض فإن المعنى يصبح: إن الله خلق الأرض، والشمس، والقمر، كل من هذه الثلاثة، يسبح في ملكوت الله الواسع، ويكون في ذلك إشارة دقيقة، ولفتة عجيبة بارعة، على دوران الأرض وحركتها (1).
ومعنى قوله تعالى: {يَسْبَحُونَ (33)} الأنبياء: 33: أي يدورون كما نقله الحافظ ابن كثير عن ابن عباس قال: يدورون كما يدور الغزل في الفلكة، وكذا قال مجاهد (2): فلا يدور المغزل
(1) ينظر لما سبق: حركة الأرض ودورانها حقيقة علمية أثبتها القرآن لمحمد الصابوني (25 - 52)، ومعجزة القرآن (1/ 50) و (1/ 51).
(2)
هو: مجاهد بن جبر المكي الأسود، أبو الحجاج، إمام حافظ مفسر، من أئمة التابعين، أخذ التفسير عن ابن عباس، توفي سنة (102 هـ).
ينظر: طبقات ابن سعد (5/ 466)، سير أعلام النبلاء (4/ 449)، حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني (3/ 279).
إلا بالفلكة، ولا الفلكة إلا بالمغزل، كذلك النجوم والشمس والقمر، لا يدورون إلا به، ولا يدور إلا بهن، كما قال تعالى:{فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)} الأنعام: 96 (1).
ونستطيع أن نقول:
1 -
أن العلم والقرآن لا يمكن -عقلا- أن يتعارضا؛ وذلك لأن مصدرهما واحد وغايتهما واحدة، فمصدرهما هو الله سبحانه وتعالى، فالله هو الذي خلق هذا الكون وما فيه من معارف وعلوم، وهو الذي شرع هذا الدين وما فيه من أخبار وأحكام، وما كان من الله فإنه لا يتناقض.
2 -
السبب في عدم قول العلماء -ومنهم الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله بدوران الأرض هو عدم صحة الدليل النقلي عندهم في ذلك بالإضافة إلى ظنهم أن إثبات دوران الأرض مجرد نظريات قابلة للنقض. ولا شك أن دوران الأرض حول نفسها ثم حول المجموعة الشمسية بأكملها وحول المجرة أصبح حقيقة علمية ثابتة.
3 -
والعلماء يقولون (2) إذا ثبت لدينا بالدليل القاطع أن اختلاف الليل والنهار بسبب دوران الأرض فليس في القرآن ما ينفي ذلك.
4 -
لقد أصبح دوران الأرض حقيقة علمية مقطوعاً بها (3)، مشاهدة بالصور التي بثتها الأقمار الصناعية، ولم تعد نظرية تحتمل النقاش والجدل .. رآها رواد الفضاء وهم في
(1) تفسير ابن كثير (5/ 341).
(2)
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله -في الشريط الأول الوجه الثاني من دروس المسجد النبوي - إجابة عن سؤال كيفية الجمع بين قوله تعالى: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا} النمل: 61، وما ثبت علمياً من دوران الأرض: أنا شخصيا لا أستطيع أن أنفي ولا أثبت ولا يتبين لي في القرآن ما يثبته أو ينفيه ونجعل هذه موكولة إلى الأمر الذي يحددها من الناحية الحسية الواقعية، وإذا ثبت حساً ثبوت لا شك فيه أنها تدور فليس في القرآن ما ينافي ذلك. انتهى كلام الشيخ رحمه الله. وينظر: مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (1/ 70)، تفسير القرآن -سورة الكهف- لابن عثيمين (6/ 23)، وفتاوى نور على الدرب فتاوى تفسير (2/ 33) وهي موجودة في موقع الشيخ رحمه الله.
(3)
ينظر: التحرير والتنوير (2/ 78)(19/ 45)، في ظلال القرآن لسيد قطب (6/ 268).
مركبتهم الفضائية تسبح في هذا الكون الرحب الفسيح، تشرق عليهم وتغرب شأنها كشأن سائر الكواكب، فصوروها حالة الإشراق وحال المغيب، ولا يمكن للعاقل أن يكذب ما يراه بالبصر، لأن إنكار المحسوسات ضرب من الخَبَل؛ وما ظاهرة الخسوف والكسوف، وظاهرة الليل والنهار، وتعاقب الفصول الأربعة، إلا دليل واضح على دوران الأرض.
ب- يرد الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله كذلك على رشاد خليفة: في استدلاله على أن نور القمر مستفاد من الشمس، فيقول: " إن قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا
…
} يونس: 5، وقوله تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61)} الفرقان: 61،دليل على أن نور القمر مستفاد من نور الشمس، وذلك دليل على إعجاز القرآن وهذا استنباط باطل، فإنه ليس في الآيتين دليل على ذلك ولا فهم العرب منهما هذه النظرية العلمية وهم أهل العربية وأعرف باللغة التي بها نزل القرآن. وإعجاز القرآن لا يحتاج في إثباته إلى ما ذكر المحاضر وكون نور القمر مستفاداً من نور الشمس لا يتوقف ثبوته على القرآن، بل عرف من طريق آخر كحادث خسوف القمر المتكرر على مر الزمان ومعرفة ذلك في متناول البشر
…
فيعرف من له دراية بعلم الفلك، فكيف يجعل ذلك دليلاً تثبت به الرسالة وإعجاز القرآن" (1).
"إن كثراً ممن كتب في الإعجاز العلمي ليس ممن له قدم في العلم الشرعي فضلاً عن علم التفسير، وكان من أخطار ذلك أن جُعلت الأبحاث في العلوم التجريبية أصلاً يُحتكمون إليه، كما وقع لغيرهم من الطوائف المنحرفة. والذي يدل على وقوع الانحراف في هذا الاتجاه الحرص الزائد على إثبات حديث القرآن عن كثير من القضايا التي ناقشها الباحثون التجريبيون
…
وإن كتاب الله أعلى وأجل من أن يجعل عرضة لهذه العقول التي لم تتأصل في علم التفسير، فأين هم من قول القائل:"اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله"؟
…
(1) مجموعة ملفات الشيخ عبد الرزاق عفيفي (ص 79).
وإن إشارة القرآن إلى بعض هذه المسائل المرتبطة بالعلوم التجريبية لم يكن هو المقصد الأول، ولم ينزل القرآن من أجلها، وإذا وازنت بين المعلومات العقدية والشرعية، ظهر لك أن المعلومات العقدية الشرعية -أي: كيف يعرفون ربهم، وكيف يعبدونه- هي الأصل المراد بإنزال القرآن، وهي التي تكفل الله ببيانها للناس، أما المعلومات الدنيوية بما فيها العلوم التجريبية فهي موكولة للناس، وإن جاءت فإنها تجيء مرتبطة بالدلالة على حكم عقدي أو شرعي، فهي جاءت تبعاً وليس أصالةً؛ أي أن القرآن لم يقصد أن يذكرها على أنها حقيقة علمية مجردة، بل ليستدل بها مثلاً: على توحيد الله وأحقيته للعبادة، أو على حكم تشريعي، أو على إثبات اليوم الآخر" (1).
وقد تكون بعض القضايا العلمية صحيحة في ذاتها، لكن الخطأ يقع في كون الآية تدل عليه، وتفسر بها، كما في هذه المسألة فحقيقة أن نور القمر مستفاد من نور الشمس حقيقة علمية ثابتة (2)، إلا أن الاستدلال عليها بهذه الآيتين، فيه نوع من تفسيرهما بغير المراد منهما، والله أعلم.
(1) مقالات في علم القرآن وأصول التفسير لمساعد الطيار (52، 63).
(2)
ينظر: فتح القدير (2/ 615)، التحرير والتنوير (1/ 4833)، روح المعاني (6/ 198) و (10/ 388).