الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيف تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(المرء مع من أحب)(1)(2).
ثامناً: علم الصحابة
.
يبين الشيخ أن الصحابة لا يجوز في حقهم جميعاً أن يجهلوا أمراً من أمور القرآن أو لفظة من ألفاظه؛ فقال رحمه الله: " لا يجوز أن يجهل الصحابة جميعاً أمراً من أمور القرآن التشريعية أو يخطئوا فيه جميعاً؛ لأن ذلك ينافي نصوص الكتاب والسنة الدالة على ثبوت عصمة الأمة في إجماعها.
ويجوز أن يجهل بعضهم الحكم القرآني أو يخطئ فيه ويعلمه غيره، أما إجماعهم على الخطأ فغير جائز ولا واقع" (3).
لقد كان الصحابة رضي الله عنهم أعلم الناس وأفقههم في دين الله، وهذا من خيريتهم فهم كما في الحديث: (خير القرون
…
) (4)، وخيريتهم وفضلهم جاء من وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم يعلمهم ويرشدهم مع ما صاحب ذلك من إيمان صادق وذهن وقاد لتلقي العلم، قال الحسن البصري رحمه الله وقد ذُكر الصحابة عنده قال: أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أبرّ هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم (5).
وقد نزل القرآن الكريم موافقاً لرأي أحدهم؛ فإذا علمت آراءهم وعلمهم وفقههم علمت بحق أنهم علماء، يقول مجاهد رحمه الله: العلماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال قتادة
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأدب باب علامة حب الله عز وجل
…
برقم (6168)، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب باب المرء مع من أحب برقم (2641).
(2)
ينظر: أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة تأليف نخبة من العلماء وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية (1/ 357 - 358).
(3)
فتاوى اللجنة (3/ ص 401)
(4)
أخرجه البخاري كتاب الأدب باب علامة حب الله عز وجل برقم (6168)، ومسلم في كتاب البر والصلة والأدب، باب المرء مع من أحب برقم (2641).
(5)
كتاب الشريعة للآجري (4/ 1686).
في قوله تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)} سبأ: 6، قال: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم (1).
وقال ابن عباس في قوله تعالى: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} البقرة: 121، قال: يتبعونه حق اتباعه، يحلُون حلاله ويحرمون حرامه ولا يحرفونه عن مواضعه. وقال قتادة (2):
" هؤلاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم آمنوا بكتاب الله فصدقوا به وأحلوا حلاله وحرموا حرامه وعملوا بما فيه: وقال مجاهد: يعملون به حق علمه (3).
إن العلم الحقيقي والعلم النافع هو العلم الذي يعمل به صاحبه، وهذا كان حال الصحابة رضي الله عنهم وهكذا كان يربيهم نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويصف ابن عمر رضي الله عنهما ذلك فيقول: لقد لبثنا برهة من دهر وأحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن، تنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها، وأمرها وزجرها، وما ينبغي أن يوقف عنده منها، كما يتعلم أحدكم السورة، ولقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، يقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يعرف حلاله ولا حرامه، ولا أمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه، وينثره نثر الدقل" (4).
ومن تتبع أقوال الصحابة علم عمق فهمهم، وسعة علمهم رضي الله عنهم وأرضاهم، كيف لا وهم خير القرون (5)، وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتمسك بسنتهم في قوله صلى الله عليه وسلم: (
…
فإنه من يعش منكم يرى اختلافاً كثيراً، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها
(1) ينظر: تفسير الطبري (22/ 44)، وهداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن القيم (446).
(2)
هو: قتادة بن دعامة بن عزيز بن سدوس أبو الخطاب السدوسي البصري الضرير الأكمه، حافظ العصر، وقدوة المفسرين والمحدثين، كان من أوعية العلم وممن يضرب به المثل في قوة الحفظ، توفي سنة 118 هـ.
ينظر: تهذيب التهذيب (8/ 351)، والشذرات (1/ 153).
(3)
ينظر: تفسير الطبري (1/ 518 - 520)، الإيمان لابن مندة (1/ 364).
(4)
كتاب الإيمان لابن مندة (1/ 369)، والدقل: هو رديء التمر ويابسه.
ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (2/ 127).
(5)
ينظر: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن القيم (ص 456).