الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعاً: فضل الصحابة والمفاضلة فيما بينهم
.
قال الشيخ رحمه الله: " صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير هذه الأمة وقد أثنى الله عليهم في كتابه، قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} التوبة: 100، وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)} الفتح: 18، إلى غير ذلك من الآيات التي أثنى الله فيها على الصحابة ووعدهم بدخول الجنة، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي من هؤلاء السابقين، وممن بايع تحت الشجرة، فقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم نفسه لعثمان فكانت شهادة له وثقة منه به، وكانت أقوى من بيعة غيره للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة إجمالاً وتفصيلاً وخاصة أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً، وبشر هؤلاء بالجنة في جماعة آخرين من الصحابة"(1).
وقال الشيخ رحمه الله: " وهم يتفاوتون فيما بينهم، فبعضهم فوق بعض درجات، فأعلاهم درجة أهل بيعة الرضوان وكل من آمن قبل فتح مكة وأنفق في سبيل الله وقاتل إعلاء لكلمة الله، قال الله تعالى:{وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)} الحديد: 10، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه كان بين عبد الرحمن بن عوف وبين خالد بن الوليد شيء، فسبه خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا تسبوا أحداً من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه)(2)، فدل الحديث على أن من أسلم قبل فتح مكة وقبل صلح الحديبية كعبد الرحمن بن عوف أفضل ممن أسلم بعدهما كخالد بن الوليد، وإذا كان
(1) فتاوى اللجنة (3/ 398 - 400).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه من طريق أبي هريرة وأبي سعيد الخدري (1/ 1967 - 1968) برقم (2541).
حال خالد بن الوليد ومن أسلم معه أو بعده من الصحابة بالنسبة لعبد الرحمن بن عوف والسابقين معه إلى الإسلام هو ما ذكر في الحديث فكيف بحال من جاء بعد الصحابة بالنسبة إلى الصحابة رضي الله عنهم، وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة)(1)،
وفي حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)(2) قال عمران فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة" (3).
" أثنى الله تبارك وتعالى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن والتوراة والإنجيل، وسبق لهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل ما ليس لأحد بعدهم"(4).
والقول بمقتضى ذلك من معاقد العقائد التي أجمع عليها أهل السنة والجماعة (5)، وصنفوا فيها المصنفات، وأفردوا في تقريرها المؤلفات (6).
وما أجمل ما قاله السفاريني في منظومته:
وليس في الأمة كالصحابة
…
في الفضل والمعروف والإصابة
فإنهم قد شاهدوا المختارا
…
وعاينوا
…
الأسرار
…
والأنوار
وجاهدوا في الله حتى بانا
…
دين الهدى وقد سما الأديانا
وقد أتى في محكم التنزيل
…
من فضلهم ما يشفي من غليل
وفي الأحاديث وفي الآثار
…
وفي كلام القوم
…
والأشعار
(1) أخرجه النسائي في كتاب التفسير، باب قوله تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} الفتح: 18 برقم (11444)، وأخرجه مسلم بنحوه في كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم باب فضائل أصحاب الشجرة أهل بيعة الرضوان رضي الله عنهم برقم (2496)، وقد صححه الألباني في تخريجه للعقيدة الطحاوية برقم (530) ..
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الشهادات باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد برقم (2652).
(3)
مجموعة ملفات الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله (ص 14).
(4)
أورده البيهقي عن الإمام الشافعي رحمه الله في مناقب الشافعي (1/ 442 - 443).
(5)
ينظر: العقيدة الطحاوية مع شرحها (2/ 689)، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (1/ 7 - 8)، جامع بيان العلم وفضله (2/ 36)، شرح السنة للبربهاري (ص 68 - 69)، عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص 289)، مجموع الفتاوى (3/ 152 - 156)، لوامع الأنوار البهية (2/ 379 - 380).
(6)
ينظر: معجم ما ألف عن الصحابة وأمهات المؤمنين وآل البيت لمحمد بن إبراهيم الشيباني.
ما قد ربا من أن يحيط نظمي
…
عن بعضه فاقنع وخذ عن علم (1)
وقد اختلف الناس في الكلام في المفاضلة بين الصحابة رضي الله عنهم:
- فمنهم من أمسك عن الخوض فيها.
- ومنهم من تكلم بمقتضى النصوص.
والذي عليه إجماع أهل السنة والجماعة قاطبة القول بأفضلية أبي بكر ثم عمر رضي الله عنهما (2).
يقول الإمام الشافعي رحمه الله: " ما اختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على جميع الصحابة، وإنما اختلف من اختلف منهم في علي وعثمان"(3).
قال البيهقي رحمه الله بعد ذكره قول الشافعي هذا بسنده: " وروينا عن جماعة من التابعين وأتباعهم نحو هذا"(4).
وقال يحيى بن سعيد القطان (5) رحمه الله: " من أدركت من أصحاب النبي والتابعين لم يختلفوا في أبي بكر وعمر وفضلهما، وإنما كان الاختلاف في علي وعثمان"(6).
وجملة أقوال السلف رحمهم الله في المفاضلة بين عثمان وعلي ثلاثة:
الأول: تفضيل عثمان على علي، هو قول جمهورهم (7).
الثاني: تفضيل علي على عثمان، وهو قول أكثر أهل الكوفة" (8).
(1) الدرة المضية مع شرحها لوامع الأنوار (2/ 377 - 383).
(2)
ينظر: السنة لابن أبي عاصم (ص 568)، السنة لعبد الله بن أحمد (2/ 574)، السنة للخلال (2/ 404)، شرح أصول الاعتقاد (7/ 136)، الاعتقاد للبيهقي (ص 522)، شرح صحيح مسلم (15/ 148)، مجموع الفتاوى (3/ 153)(4/ 421)، منهاج السنة (8/ 223 - 224).
(3)
أورده البيهقي في الاعتقاد (ص 522).
(4)
الاعتقاد للبيهقي (ص 522).
(5)
هو يحي بن سعيد بن فروخ القطان، إمام في الحديث والسنة، توفي سنة 197 هـ.
ينظر: تاريخ بغداد (14/ 135)، سير أعلام النبلاء (9/ 175).
(6)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة (7/ 1367).
(7)
ينظر: الاستيعاب (3/ 214)، معالم السنن (4/ 303)، منهاج السنة (2/ 73، 82 - 85)(8/ 85)، فتح الباري (7/ 16).
(8)
ينظر: معالم السنن (4/ 303)، منهاج السنة (8/ 224)،مجموع الفتاوى (4/ 426)، فتح الباري (7/ 16).
والثالث: التوقف عن المفاضلة بينهما، وهو قول بعض أهل المدينة، ورواية عن الإمام مالك رحمه الله (1).
وقد استقر إجماع أهل السنة والجماعة بَعْدُ على تقديم عثمان على علي (2).
وأفضل الصحابة بعدهم بقية العشرة المبشرين بالجنة؛ ثم أهل بدر وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر؛ ثم أهل بيعة الرضوان؛ على الصحيح؛ ثم أهل أحد؛ ثم بقية المهاجرين؛ ثم بقية الأنصار (3).
وقد دل الكتاب والسنة على أوجه التفاضل بين الصحابة رضي الله عنهم، وجماع هذه الأوجه هو ما سلف من كل واحد منهم من أعمال البر والطاعات التي تتفاضل منزلتها عند الله تعالى. فمن أوجه التفاضل بينهم:
* السبق إلى الإسلام: فالسابق إلى الإسلام أفضل من المسبوق، قال تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} التوبة: 100.
* الإنفاق والجهاد قبل الفتح: فمن أنفق قبل الفتح وقاتل أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعده وقاتلوا، كما قال تعالى:{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)} الحديد: 10.
* شهود بدر: فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لعل الله أن يكون اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)(4).
(1) ينظر: المدونة (6/ 451)، جامع بيان العلم لابن عبد البر (2/ 186)، الانتقاء له (ص 35 - 36)، فتح الباري (7/ 16).
(2)
ينظر: الاستيعاب (3/ 214)، ومقدمة ابن الصلاح (ص 149)، ومجموع الفتاوى (3/ 153)، فتح الباري (7/ 34)(7/ 58).
(3)
ينظر: شرح السنة للبربهاري (ص 68)، مقدمة ابن الصلاح (ص 149)، الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي (ص 198 - 203)، مجموع الفتاوى (3/ 152 - 153)، اختصار علوم الحديث لابن كثير (1/ 501)، فتح الباري (7/ 58)، لوامع الأنوار البهية (2/ 357)، معارج القبول (3/ 1126).
(4)
أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب غزوة الفتح وما بعث حاطب بن أبي بلتعة
…
برقم (4274)، ومسلم في كتاب الفضائل باب من فضائل أهل بدر برقم (2494).