الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن الإسلام لا يمنع الناس من الانتماء لوطنهم وحبهم له فهذا أمر فطر عليه الحيوان فضلاً عن الإنسان، فالحيوان يحب جحره ويدفع عنه، والطير يألف عشه ويحافظ عليه، فكيف بالإنسان؟!
ولكن الإسلام ينكر أن تكون رابطة الدم أو اللغة أو الأرض أو المصالح المشتركة أقوى من رابطة الإسلام أو أعلى من رابطة الدين والعقيدة الصحيحة، قال تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)} التوبة: 24.
والقوميون العرب يوالون كل عرب أياً كانت ديانته، فهم ينحون الدين جانباً ويفصلونه عن الدولة، ويتجمعون تحت لواء القومية العربية، معتقدين أن قوميتهم العربية تحقق لهم من المنافع ما يعجز الإسلام عن تحقيقه، وهذا جهل فاضح، ومخالفة صريحة لنصوص القرآن الكريم التي تدل على وجوب بغض الكافرين ومعاداتهم وتحريم موالاتهم (1).
ذكر الشيخ رحمه الله
العلمانية
والتي تعد من الأحزاب والحركات والاتجاهات المعاصرة، والتي تهدف لهدم الإسلام، فآثرت أن أُدرجها هنا للترابط بينها وبين القومية.
- العلمانية.
سُئل الشيخ رحمه الله عن الحكومة العلمانية، فقال:" إذا كانت تحكم بغير ما أنزل الله فالحكومة غير إسلامية"(2).
(1) ينظر لما سبق من موقف الإسلام من الدعوة القومية: بحوث ودراسات في المذاهب والتيارات (ص 279 - 286)، فتاوى الشيخ ابن باز (1/ 320 - 321).
(2)
فتاوى اللجنة (1/ 789).
جاء في القاموس الإنجليزي أن كلمة "علماني" معناها: دنيوي، أو مادي، أو ليس بديني، فالمقصود من الكلمة هو إقامة الحياة بعيداً عن الدين، أو الفصل الكامل بين الحياة والدين (1).
وجاء في معجم ألفاظ العقيدة أن العلمانية: تأتي لمعان منها: العالمية، ومنها اللادينية، ومنها فصل الدين عن الدولة وعن الحياة. وكلمة العلمانية اصطلاح جاهلي غربي يشير إلى انتصار العلم على الكنيسة التي حاربت التطور باسم الدين (2).
نشأة العلمانية:
كانت أوربا في العصور الوسطى غارقة في بحر من الظلمات تعيش في ظروف دينية متردية للغاية، فقد عبثت الكنيسة بدين الله المنزل وحرف القساوسة ديانة المسيح، وعملوا على تشويهها، وقدموها للناس في صورة منفردة تمجها العقول ويرفضها الشعور.
فتعارض هذا الدين المبدل مع مصالح الناس في دنياهم ومعاملاتهم، وفي نفس الوقت تعارض مع حقائق العلم الثابتة.
فكان لا بد من التمرد على دين يحارب العلم ويناصر المجرمين، فما كان من الأوربيون إلا أن قاموا بإبعاده وطرده من كافة جوانب الحياة، ولكنهم أعلنوا حربا على الدين كله حتى الإسلام.
وفكرة العلمانية وسمتُها المميزة هي الإلحاد؛ ولقد أصبح الطابع المميز للفكر العلماني هو التمرد على الدين المنزل من عند الله (3).
موقف الإسلام والمسلمين منها:
لا يمكن التعايش السلمي بين العلمانية والإسلام؛ لأن الدين الحق لا يمكن أن يكون عقيدة مفصولة عن الشريعة فالعقيدة أصل يدفع إلى الشريعة، والالتزام بالشريعة هو مقتضى
(1) ينظر: معجم أكسفورد (ص 1371)، Oxford ADVANCED LEARNERS Dictionary 7 th adition (page 1371) .
(2)
(ص 300)، وينظر: جذور العلمانية للدكتور السيد أحمد فرج (ص 105).
(3)
ينظر: العلمانية نشأتها وتطورها للدكتور سفر الحوالي (ص 128 - 136)، بحوث ودراسات في المذاهب والتيارات (ص 263 - 266).
العقيدة ذاتها، مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، بحيث لا تكون الشهادة صحيحة وقائمة إن لم تؤد عند صاحبها هذا المعنى وهو الالتزام بما جاء من عند الله. والتحاكم إلى شريعة الله ورفض التحاكم إلى أي شريعة سوى شريعة الله، قال تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} النساء: 65 (1).
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: " فلما نفى الإيمان حتى توجد هذه الغاية دل ذلك على أن هذه الغاية فرض على الناس فمن تركها كان من أهل الوعيد"(2).
وانطلاقاً من هذا المفهوم نستطيع أن نرى حكم الله في العلمانية بسهولة ووضوح أنها باختصار: نظام طاغوتي جاهلي يتنافى مع لا إله إلا الله من ناحيتين أساسيتين متلازمتين:
أولا:- من ناحية كونها حكماً بغير ما أنزل الله.
إن العلمانية تعني - بداهة - الحكم بغير ما أنزل الله، فهذا هو معنى قيام الحياة على غير الدين، ومن ثم فهي -بالبديهة أيضاً- نظام جاهلي لا مكان لمعتقده في دائرة الإسلام، بل هو كافر بنص القرآن الكريم:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} المائدة: 44.
ثانيا:- من ناحية كونها شركاً في عبادة الله.
فمن نواقض الإسلام العشرة - غير الشرك الذي هو الناقض الأكبر والذي لا شك أن العلمانية نوع منه كما سيأتي ناقضان:
1 -
من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه أو أن حكم غيره أحسن من حكمه كالذين يفضلون حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر.
2 -
من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر (3).
(1) ينظر: بحوث ودراسات في المذاهب والتيارات (ص 263 - 266)، تفسير القرآن العظيم (1/ 520).
(2)
كتاب الإيمان لابن تيمية (ص 33).
(3)
ينظر: مجموعة التوحيد، ابن عبد الوهاب وابن تيمية، وغيرهما من العلماء (37 - 38).
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151)} النساء: 150 - 151، وإذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر بأصل الدين، فالردة عن شرائعه أعظم من خروج الخارج الأصلي عن شرائعه (1).
(1) ينظر: العلمانية نشأتها وتطورها للدكتور سفر الحوالي (ص 669 - 698).