الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً: ما يناقض توحيد الألوهية أو يقدح فيه من الأقوال:
1 - الاستغاثة ودعاء غير الله تعالى:
يقرر الشيخ رحمه الله: " أنه لا تجوز الاستغاثة بالأموات ولا دعاؤهم من دون الله أو مع الله، سواء كان المستغاث به نبياً أم غير نبي، وكذلك الاستغاثة بالغائبين، وأن كل ذلك شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام، وأنه لا تصح الصلاة خلفهم لشركهم ولا عشرتهم ولا موالاتهم.
وأما من استغاث بالله وسأله سبحانه وحده متوسلاً بجاههم أو طاف حول قبورهم دون أن يعتقد فيهم تأثيراً وإنما رجا أن تكون منزلتهم عند الله سبباً في استجابة الله له فهو مبتدع آثم مرتكب لوسيلة من وسائل الشرك، ويخشى عليه أن يكون ذلك منه ذريعة إلى وقوعه في الشرك الأكبر" (1).
الاستغاثة: هي طلب الغوث، وهو إزالة الشدة، كالاستنصار: طلبُ النصر؛ والاستعانة: طلب العون. والفرق بين الاستغاثة والدعاء: أن الاستغاثة لا تكون إلا من المكروب، والدعاء أعم من الاستغاثة؛ لأنه يكون من المكروب وغيره؛ فكل استغاثة دعاء، وليس كل دعاء استغاثة (2).
والاستغاثة أقسام (3):-
الأول: الاستغاثة بالله- عز وجل -وهذا من أفضل الأعمال وأكملها وهو دأب الرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم ودليله قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)} الأنفال: 9.
(1) ينظر: فتاوى اللجنة الدائمة (1/ 102 - 117) و (1/ 162 - 175).
(2)
ينظر: فتح المجيد (ص 179)، إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (1/ 193)، الأصول الثلاثة للشيخ عبد الرحمن البراك (ص 22)، مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (7/ 28)، الجديد في شرح كتاب التوحيد (ص 121)، معارج القبول (2/ 453)، الصواعق المرسلة الشهابية على الشبه الداحضة الشامية لسليمان بن سحمان (ص 216).
(3)
ينظر: مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (7/ 28 - 30)،
قال حافظ حكمي (1)
رحمه الله: " ومن أنواع العبادة الاستغاثة بالله عز وجل وهي طلب الغوث منه تعالى من جلب خير أو دفع شر قال الله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)} الأنفال: 9، وقال تعالى:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)} النمل: 62 الآيات
…
، ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:(يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا بديع السموات والأرض برحمتك (2) أستغيث) (3)، وفي الطبراني
بإسناده من حديث ثابت بن الضحاك أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي
المؤمنين فقال بعضهم قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق
فقال صلى الله عليه وسلم: (إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله)(4)(5)
…
وغير ذلك من
(1) هو: حافظ بن أحمد بن علي بن أحمد الحكمي، عالم متفنن، سلفي المعتقد، من مؤلفاته: معارج القبول، وأعلام السنة المنشورة، الجوهرة الفريدة في تحقيق العقيدة، توفي سنة (1377 هـ).
ينظر: الشيخ حافظ بن أحمد حكمي، د. أحمد علوش.
(2)
الاستغاثة بالصفة: من الأمور الجائزة، فيمكن للإنسان أن يقول "اللهم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله"، وهذا وارد في قول النبي صلى الله عليه وسلم:(يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث)، وهذه استغاثة بالرحمة وهي صفة من صفات الله. كذلك يجوز للإنسان أن يستعيذ بالصفة، والاستعاذة بالصفة مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم:(أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) فهذه استعاذة بالعزة والقدرة، ومثل قوله:(أعوذ بكلمات الله التامات) أخرجه مسلم، فهذه استعاذة بالصفة، فتكون الاستعاذة بالصفة جائزة. وكذلك الحلف بالصفة جائز، مثل وعزة الله، وقدرة الله، وجلال الله، وكلام الله، وحياة الله، ولكن لا ينبغي التوسع في هذا الباب.
ينظر: شرح دالية أبي الخطاب الكلوذاني للدكتور: هاني بن عبد الله بن جبير (ص 40).
(3)
أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات باب ما جاء في عقد التسبيح باليد برقم (3524) بلفظ: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث)، حسنه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2796).
(4)
أخرجه الإمام أحمد في المسند (5/ 317)، وابن سعد في الطبقات (1/ 387) بغير هذا اللفظ من حديث عبادة بن الصامت؛ قال ابن تيمية في كتاب الاستغاثة (ص 152): وهو صالح للاعتضاد ودل على معناه الكتاب والسنة.
(5)
" وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله) نصٌ على أنه لا يستغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا بمن دونه. كره صلى الله عليه وسلم أن يستعمل هذا اللفظ في حقه، وإن كان مما يقدر عليه في حياته؛ حمايةً لجانب التوحيد، وسداً لذرائع الشرك، وأدباً وتواضعاً لربه، وتحذيراً للأمة من وسائل الشرك في الأقوال والأفعال. فإذا كان هذا فيما يقدر عليه النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، فكيف يجوز أن يستغاث به بعد وفاته، ويطلب منه أمور لا يقدر عليها إلا الله عز وجل. ويعرضون عن الاستغاثة بالرب العظيم القادر على كل شيء، الذي له الخلق والأمر وحده، وله الملك وحده، لا إله غيره، ولا رب سواه قال تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} الأعراف: 188، وقال تعالى: {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21)} الجن: 21.فأعرض هؤلاء عن القرآن، واعتقدوا نقيض ما دلت عليه هذه الآيات المحكمات، وتبعهم على ذلك الضلال الخلق الكثير والجمُّ الغفير. فاعتقدوا الشرك بالله ديناً، والهدى ضلالاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون".
ينظر: فتح المجيد (192 - 193).
الأحاديث" (1).
الثاني: الاستغاثة بالأموات أو بالأحياء القادرين على الإغاثة ولكنهم غير حاضرين فهذا شرك؛ لأنه لا يفعله إلا من يعتقد أن لهؤلاء تصرفا خفيا في الكون فيجعل لهم حظاً من الربوبية، قال الله تعالى:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)} النمل: 62.
قال ابن القيم رحمه الله: " ومن أنواع الشرك طلبُ الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، فضلاً عمن استغاث به أو سأله أن يشفع إلى الله، وهذا ممن جهله بالشافع والمشفوع له عنده"(2).
وبين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حقيقة خداع الشيطان لمن يستغيثون بغير الله، فيقول:" ومن هؤلاء من يستغيث بمخلوق إما حي أو ميت، سواء كان ذلك المخلوق مسلماً أو نصرانياً أو مشركاً، فيتصور الشيطان بصورة ذلك المستغاث به، ويقضي حاجة ذلك المستغيث فيظن أنه ذلك الشخص، أو هو ملَك تصور على صورته، وإنما هو شيطان أضله لما أشرك بالله، كما كانت الشياطين تدخل في الأصنام وتكلم المشركين"(3).
الثالث: الاستغاثة بالأحياء العالمين القادرين على الإغاثة فهذا جائز كالاستعانة بهم، قال الله تعالى في قصة موسى عليه السلام: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى
(1) معارج القبول (2/ 453)، ينظر: منهاج السنة النبوية (8/ 81)، مجموع فتاوى ابن باز (5/ 328).
(2)
مدارج السالكين (1/ 346)، ينظر: الإنصاف في حقيقة الأولياء وما لهم من الكرامات والألطاف، للصنعاني، عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر (ص 77).
(3)
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية (ص 429).
فَقَضَى عَلَيْهِ} القصص: 15. وفي بحديث الشفاعة الطويل في يوم القيامة وأن الناس يستغيثون بالنبي صلى الله عليه وسلم ليشفع لهم عند الله (1).
فالاستغاثة بغير الله إذا كانت فيما لا يقدر عليه إلا الله، فهي شرك أكبر، وإذا كانت فيما يقدر عليه المخلوق، فهي جائزة كما حصل من صاحب موسى إذ استغاث بموسى عليه السلام (2).
قال شيخ الإسلام: "وقد مضت السُّنة أن الحي يُطلب منه الدعاء كما يطلب سائر ما يقدر عليه، وأما المخلوق والغائب والميت فلا يطلب منه شيء "(3).
قال الشوكاني رحمه الله: "طلب الحوائج من الأحياء جائز إذا كانوا يقدرون عليها .. "(4). وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله: " .. استغاثة المخلوق الحي الحاضر فيما يقدر عليه من نصره على عدوه .. هذا جائز لا نزاع فيه "(5).
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " وإذا طلبت من أحد الغوث وهو قادر عليه، فإنه يجب عليك تصحيحاً لتوحيدك أن تعتقد أنه مجرد سبب وأنه لا تأثير له بذاته في إزالة الشدة، لأنك ربما تعتمد عليه وتنسى خالق السبب، وهذا قادح في كمال التوحيد؛
…
وقد نهى الله سبحانه نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يدعو أحداً من دونه من سائر المخلوقين العاجزين عن إيصال النفع ودفع الضر، والنهي عام لجميع الأمة" (6).
(1) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم برقم (7510)، ومسلم في كتاب الإيمان باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها برقم (193).
(2)
ينظر: إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (2/ 309).
(3)
الرد على البكري (ص 46).
(4)
الدرر النضيد (ص 87).
(5)
منهاج التأسيس والتقديس (ص 346).
(6)
القول المفيد على كتاب التوحيد (1/ 260)، ينظر: الشرح الميسر لكتاب التوحيد، لعبد الملك بن محمد بن عبد الرحمن القاسم (ص 85)، تيسير الوصول إلى الثلاثة الأصول، لعبد المحسن بن محمد القاسم (ص 83).
الرابع: الاستغاثة بحي غير قادر من غير أن يعتقد أن له قوة خفية مثل أن يستغيث بمشلول على دفع عدو صائل. فهذا لغو وسخرية بالمستغاث به فيمنع لهذه العلة ولعلة أخرى، وهي أنه ربما اغتر بذلك غيره فتوهَّم أن لهذا المستغاث به وهو عاجز أن له قوة خفية ينقذ بها من الشدة (1).
وسبق القول بأن الدعاء أعم من الاستغاثة؛ لأنه يكون من المكروب وغيره؛ فكل استغاثة دعاء، وليس كل دعاء استغاثة (2)، والدعاء على نوعين دعاء عبادة ودعاء مسألة:"فدعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة، كما أن دعاء المسألة متضمن لدعاء العبادة، وقد قال تعالى عن خليله: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49)} مريم: 48 - 49، وهذا هو دعاء المسألة المتضمن للعبادة، فصار الدعاء من أنواع العبادة؛ وكل أمرٍ شرعه الله لعباده وأمرهم به، ففعلُه لله عبادة، فإذا صرف من تلك العبادة شيئاً لغير الله فهو مشرك، مصادم لما بعث الله به رسوله من قوله: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14)} الزمر: 14، ومن جعل بينه وبين الله وسائط، يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم كفر إجماعاً"(3).
"ومن ثم فإن صرف دعاء المسألة للأموات إلحاد في توحيد الأسماء والصفات من جهة ومن جهة أخرى شرك ظاهر في العبادة، فالذي يستغيث ويطلب المدد من غير الله يثبت له بدلالة اللزوم صفة الحياة؛ لأنه لو اعتقد أنه ميت ما توجه إليه بالنداء والدعاء
(1) مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (7/ 29).
(2)
ينظر: فتح المجيد (ص 179)، إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (1/ 193)، الأصول الثلاثة للشيخ عبد الرحمن البراك (ص 22)، مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (7/ 28)، الجديد في شرح كتاب التوحيد (ص 121)، معارج القبول (2/ 453)، الصواعق المرسلة الشهابية على الشبه الداحضة الشامية لسليمان بن سحمان (ص 216).
(3)
فتح المجيد (180، 181)، وينظر: مجموع الفتاوى (15/ 10)، إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (1/ 194)، تيسير العزيز الحميد. (1/ 273)، البلاغ المبين لعبد المجيد يوسف الشاذلي (1/ 121)، الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق، لسليمان بن سحمان (1/ 460).