الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
جهود الشيخ في تقرير توحيد الأسماء والصفات
المطلب الأول
تعريف توحيد الأسماء والصفات، وبيان الفرق بين الأسماء والصفات:
أ- التعريف:
الأسماء: جمع اسم، والاسم: " مشتق من السمو أي: العلو
…
أو من الوسم أي: العلامة
…
" (1)، وهو اللفظ الدال على المسمى (2)، وأسماء الله كلُ ما دل على ذات الله مع صفات الكمال القائمة به كالعليم والقدير والحكيم والسميع والبصير (3).
والصفات: جمع صفة، والصفة: أصلها "وَصَفَ" حذفت الواو وعوض عنها التاء (4)، "وهي الاسم الدال على أحوال الذات
…
وهي الأمارة اللازمة بذات الموصوف الذي يعرف بها" (5)، وصفات الله نعوت الكمال القائمة بذاته كالعلم والقدرة والحكمة والسمع والبصر (6).
(1) ينظر: تهذيب اللغة (2/ 1748)، الصحاح (6/ 2383)، معجم مقاييس اللغة (ص 490)، لسان العرب (14/ 401)، القاموس المحيط (ص 1672).
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى (6/ 189،192)، بدائع الفوائد لابن القيم (1/ 16).
(3)
ينظر: فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (3/ 160).
(4)
ينظر: تهذيب اللغة (4/ 3900 - 3901)، الصحاح (4/ 1438 - 1439)، معجم مقاييس اللغة (ص 1093)، لسان العرب (9/ 356)، القاموس المحيط (ص 111).
(5)
التعريفات للجرجاني (ص 133).
(6)
ينظر: فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (3/ 160).
وعليه فتوحيد الأسماء والصفات هو: " أن يسمى الله ويوصف، بما سمى ووصف به نفسه، أو سمَّاه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف (1)، ولا تأويل (2)،
ومن غير تكييف (3)، ولا تمثيل (4) " (5).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ثم القول الشامل في جميع هذا الباب أن يوصف الله بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، لا يتجاوز القرآن والحديث. قال الإمام أحمد رحمه الله: لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يتجاوز القرآن والحديث"(6).
(1) التحريف: لغة: التغيير والتبديل. واصطلاحاً: تغيير ألفاظ الأسماء الحسنى والصفات العلى أو معانيهما.
ينظر: لسان العرب 9/ 43، مختصر الأسئلة والأجوبة على العقيدة الواسطية لعبد العزيز السلمان (ص 23).
(2)
التأويل في أسماء الله وصفاته: هو الميل والعدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها إلى الإشراك والتعطيل والكفر.
ينظر: مختصر الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية (ص 32)، المدخل لدراسة العقيدة الإسلامية للدكتور/ إبراهيم البريكان (ص 33).
(3)
التكييف: لغة: جعل الشيء على هيئة معينة معلومة؛ والتكييف في صفات الله هو: الخوض في كنه وهيئة الصفات التي أثبتها الله لنفسه.
ينظر: معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات لمحمد خليفة التميمي (ص 70 - 81).
(4)
التمثيل: لغة: من المثيل وهو الند والنظير، والتمثيل في باب الأسماء والصفات هو: الاعتقاد في صفات الخالق أنها مثل صفات المخلوق.
وينقسم إلى قسمين:
الأول: تشبيه المخلوق بالخالق كتشبيه النصارى للمسيح ابن مريم بالله، وكتشبيه اليهود عزيزاً بالله، وكتشبيه المشركين أصنامهم بالله.
الثاني: تشبيه الخالق بالمخلوق، وذلك كتشبيه المشبهة الذين يقولون لله وجه كوجه المخلوق، ويد كيد المخلوق ونحو ذلك
ينظر: معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات لمحمد خليفة التميمي (ص 70 - 81)، مختصر الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية (ص 25).
(5)
مذكرة التوحيد (ص 32)، وينظر: تعليق الشيخ عبد الرزاق على الإحكام (4/ 129).ويأتي في معنى هذا التعريف ما ذكر في المراجع التالية وغيرها: مجموع الفتاوى (3/ 3)، تيسير العزيز الحميد (ص 34)، فتح المجيد (1/ 79)، القول السديد للسعدي (ص 10)، معارج القبول (1/ 98)، القول المفيد لابن عثيمين (1/ 12)، القواعد المثلى لابن عثيمين (ص 5 - 6).
(6)
مجموع الفتاوى (5/ 26)، وينظر: الحموية لابن تيمية (ص 203)، لمعة الاعتقاد لابن قدامة بشرح الشيخ ابن عثيمين (ص 9)، بدائع الفوائد (1/ 183)، لوامع الأنوار البهية للسفاريني (1/ 124 - 125).
ب- الفرق بين الأسماء والصفات:
قال الشيخ رحمه الله: " أسماء الله كل ما دل على ذات الله مع صفات الكمال القائمة به، مثل: القادر، العليم، الحكيم، السميع، البصير، فإن هذه الأسماء دلت على ذات الله، وعلى ما قام بها من العلم والحكمة والسمع والبصر فالاسم دل على أمرين، والصفة دلت على أمر واحد، ويقال الاسم متضمن للصفة، والصفة مستلزمة للاسم، ويجب الإيمان بكل ما ثبت منهما عن الله تعالى أو عن النبي صلى الله عليه وسلم على الوجه اللائق بالله سبحانه مع الإيمان بأنه سبحانه لا يشبه خلقه في شيء من صفاته، كما أنه لا يشابههم في ذاته"(1).
ولمعرفة ما يميز الاسم عن الصفة، والصفة عن الاسم أمور، منها:
أولاً: أن الأسماء يشتق منها صفات (2)، أما الصفات؛ فلا يشتق منها أسماء، فنشتق من أسماء الله الرحيم والقادر والعظيم، صفات الرحمة والقدرة والعظمة، لكن لا نشتق من صفات الإرادة والمجيء والمكر اسم المريد والجائي والماكر (3).
ثانياً: أن الاسم لا يشتق من أفعال الله؛ فلا نشتق من كونه يحب ويكره ويغضب اسم المحب والكاره والغاضب، أما صفاته؛ فتشتق من أفعاله فنثبت له صفة المحبة والكره والغضب ونحوها من تلك الأفعال، لذلك قيل: باب الصفات أوسع من باب الأسماء (4).
ثالثاً: "أن أسماء الله عز وجل وصفاته تشترك في الاستعاذة بها والحلف بها"(5)، لكن تختلف في التعبيد والدعاء، فيتعبد الله بأسمائه، فتقول: عبد الكريم، وعبد الرحمن، وعبد العزيز، كما
(1) فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (3/ 160)، ينظر: فتاوى ورسائل سماحة الشيخ عبد الرزاق عفيفي (1/ 160، 161).
(2)
ينظر: فتاوى ورسائل سماحة الشيخ عبد الرزاق عفيفي (1/ 160، 161).
(3)
ينظر: بدائع الفوائد (1/ 162)، الصفدية (1/ 108)،دفع إيهام التشبيه عن أحاديث الصفات ونقد كتاب (تأويل الأحاديث الموهمة للتشبيه)، تأليف أ. د. محمد السمهري (ص 37).
(4)
ينظر: مدارج السالكين (3/ 415).
(5)
مجموع الفتاوى (6/ 143، 229) و (35/ 273)، وينظر: شرح السنة للبغوي (1/ 185، 187).
أنه يُدعى الله بأسمائه، فنقول: يا رحيم! ارحمنا، يا كريم! أكرمنا، ويا لطيف! الطف بنا، لكن لا ندعو صفاته فنقول: يا رحمة الله! ارحمينا، أو: يا كرم الله! أو: يا لطف الله! ذلك أن الصفة ليست هي الموصوف، فالرحمة ليست هي الله، بل هي صفة لله، وكذلك العزة، وغيرها؛ فهذه صفات لله، وليست هي الله، ولا يجوز التعبد إلا لله، ولا يجوز دعاء إلا الله؛ لقوله تعالى:{يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} النور: 55، وقوله {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} غافر: 60، وغيرها من الآيات (1).
ج- أثرهما:
يذكر الشيخ رحمه الله أثر أسماء الله وصفاته فيقول: " إن للأسماء والصفات آثراً عظيماً في حياة الفرد، فمعرفة الفرد أن الله تعالى رحمن يبعث في قلبه الرجاء، وإذا ذكر القهار يبعث الخوف من الله تعالى، والقرآن مليء بصفات الله تعالى"(2).
ويقول رحمه الله: "ومن تبصّر في العالم، وعرف شئونه وأحواله تبين له تعلقه خلقاً وأمراً بأسماء الله الحسنى، وصفاته العليا، وارتباطه بها أتم ارتباط، وظهر له أن الوجود كله آيات بينات، وشواهد واضحات على أسماء الله، وصفاته"(3).
قال ابن القيم رحمه الله: " إحصاء الأسماء الحسنى والعلم بها أصل للعلم بكل معلوم، فإن المعلومات سواه -أي سوى الله سبحانه- إما أن تكون خلقاً له تعالى أو أمراً، إما علمٌ بما كونّه أو علمٌ بما شرعه، ومصدر الخلق والأمر عن أسمائه الحسنى وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضى بمقتضيه، فالأمر كله مصدره عن أسمائه الحسنى، وهذا كله حسن لا يخرج عن مصالح العباد، والرأفة والرحمة بهم والإحسان إليهم بتكميلهم بما أمرهم به ونهاهم عنه، فأمره كله مصلحة وحكمة ولطف وإحسان، إذ مصدره أسماؤه الحسنى، وفعله كله لا يخرج عن العدل والحكمة والمصلحة والرحمة، إذ مصدره أسماؤه الحسنى، فلا تفاوت في خلقه ولا عبث ولم يخلق خلقه باطلاً ولا سدى ولا عبثاً.
(1) ينظر: فتاوى الشيخ ابن عثيمين (1/ 26).
(2)
فتاوى ورسائل سماحة الشيخ عبد الرزاق عفيفي (1/ 157).
(3)
مذكرة التوحيد (ص 32).
وكما أن كل موجود سواه فبإيجاده، فوجود من سواه تابع لوجوده، تبع المفعول المخلوق لخالقه، فكذلك العلم بها أصل للعلم بكل ما سواه.
فالعلم بأسمائه وإحصائها أصل لسائر العلوم، فمن أحصى أسماءه كما ينبغي للمخلوق أحصى جميع العلوم إذ إحصاء أسمائه أصل لإحصاء كل معلوم، لأن المعلومات هي من مقتضاها ومرتبطة بها" (1).
وذكر الشيخ ابن عثيمين (2) رحمه الله أن من آثار معرفة أسماء الله وصفاته عبادته على الوجه الأكمل، فقال:"فهذا التوحيد منزلته في الدين عالية، وأهميته عظيمة، ولا يمكن لأحدٍ أن يعبد الله على الوجه الأكمل حتى يكون على علم بأسماء الله تعالى وصفاته، ليعبده على بصيرة، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} الأعراف: 180 "(3).
فيتقرر أن هذا التوحيد أجلُّ المعارف، لأنه معرفة بالله تعالى بأسمائه وصفاته، وعلى هذه المعرفة تنبني العبادة، فإذا لم يعرف العبد ربه فكيف يعبده؟ إذ كيف يعبد إلهاً يجهله؛ لذا استفاضت الأدلة بذكره والتنويه به، لأنه كلما كان الأمر مهماً كثُر إيضاحه وبيانه.
(1) بدائع الفوائد (1/ 163).
(2)
هو محمد بن صالح بن عثيمين الوهيبي التميمي، الشيخ العلامة أبو عبد الله، ولد سنة 1347 هـ، ونشأ في طلب العلم من صغره، فحفظ القرآن، ثم اتجه لطلب العلم، من آثاره: القول المفيد على كتاب التوحيد، شرح الواسطية وغيرها؛ توفي: قبيل مغرب يوم الأربعاء 15/ 10/1421 هـ بجدة.
ينظر: مقدمة مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله (1/ 9)، مجلة الحكمة- العدد الثاني (ص 19).
(3)
القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لابن عثيمين رحمه الله (ص 6).