الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
اختصاصه صلى الله عليه وسلم بأن الشيطان لا يتمثل عليه
.
يفسر الشيخ رحمه الله قوله صلى الله عليه وسلم من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، فيقول: " معنى الحديث على هذه الرواية: أن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام على صورته التي كان عليها في الدنيا فسيرى تأويل رؤياه ووقوع ما أشارت إليه من الخبر في دنياه؛ لأن رؤياه على صورته حق؛ لما دل عليه قوله آخر الحديث: (فإن الشيطان لا يتمثل بي)(1).
وليس المراد أنه يرى ذات الرسول صلى الله عليه وسلم بيقظته فعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: (من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي
…
) (2) الحديث، ومعناه: من رأى النبي صلى الله عليه وسلم على صورته التي كان عليها في الدنيا فرؤياه حق، فإن الشيطان لا يتمثل بصورته، وروى مسلم في صحيحه هذا الحديث بلفظ:(من رآني في المنام فسيراني، أو فكأنما رآني)(3) على الشك، ولم يذكر كلمة اليقظة، ومعناه: صدق الرؤيا وأن تأويلها سيتحقق" (4).
وقال الشيخ رحمه الله كذلك: "مضت سنة الله أن جعل الناس أحياء في الدنيا بعد أن كانوا أمواتاً؛ ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، ثم يميتهم فيها عند انتهاء آجالهم ثم يبعثهم يوم القيامة للحساب والجزاء، قال الله تعالى:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)} البقرة: 28، وقال سبحانه في سورة المؤمنون:{ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)} المؤمنون: 15 - 16، وجعل سبحانه تلك السنة الكونية عامة للأنبياء والمرسلين حتى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(1) أخرجه مسلم في كتاب الرؤيا باب قوله من رآني في المنام
…
برقم (2266).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب التعبير باب من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام برقم (6993).
(3)
أخرجها مسلم، كتاب الرؤيا، باب قول النبي عليه الصلاة والسلام:(من رآني في المنام فقد رآني) برقم (2266).
(4)
فتاوى اللجنة (1/ 484 - 485).
عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)} الزمر: 30 - 31، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما بلغ الرسالة وأكمل الله به دينه وأقام به الحجة على خلقه، وصلى عليه أصحابه رضي الله عنهم صلاة الجنازة، ودفنوه حيث مات في حجرة عائشة ك، وقام من بعده الخلفاء الراشدون، وقد جرى في أيامهم أحداث ووقائع فعالجوا ذلك باجتهادهم ولم يرجعوا في شيء منها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن زعم بعد ذلك أنه رآه في اليقظة حيًا وكلمه أو سمع منه شيئًا قبل يوم البعث والنشور فزعمه باطل؛ لمخالفته النصوص والمشاهدة وسنة الله في خلقه، وليس في هذا الحديث دلالة على أنه سيرى ذاته في اليقظة في الحياة الدنيا؛ لأنه يحتمل أن المراد بأنه: فسيراني يوم القيامة، ويحتمل أن المراد: فسيرى تأويل رؤياه؛ لأن هذه الرؤيا صادقة بدليل ما جاء في الروايات الأخرى من قوله صلى الله عليه وسلم: (فقد رآني)(1) الحديث. وقد يراه المؤمن في منامه رؤيا صادقة على صفته التي كان صلى الله عليه وسلم عليها أيام حياته الدنيوية" (2).
وما ذكره الشيخ رحمه الله من أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرى في اليقظة هو القول الراجح؛ أما من قال بجواز رؤيته صلى الله عليه وسلم يقظة بعد وفاته فيرد عليهم من وجوه:
1 -
أن القول بذلك معارض بالأدلة النقلية والعقلية والحسية الدالة على وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يرد على ذلك حياته في قبره إذ حياته فيه حياة برزخية (3).
2 -
أن رؤيته صلى الله عليه وسلم يقظة بعد وفاته لو كانت، ممكنة، لكان أولى الناس بها أصحابه صلى الله عليه وسلم، ولا سيما مع قيام المقتضي لهذه الرؤية، فإنه قد جرى بين الصحابة من النزاع في كثير من المسائل ما يستدعي ظهوره لهم وفصله بينهم (4).
(1) أخرجه البخاري في كتاب التعبير باب من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، برقم (6993).
(2)
فتاوى اللجنة (1/ 485 - 486).
(3)
ينظر: حياة الأنبياء بعد وفاتهم للبيهقي (32 - 49)، توضيح المقاصد لابن عيسى (2/ 160 - 171)، الصواعق المرسلة الشهابية لابن سحمان (98 - 101)، شرح الكافية الشافية للهراس (1/ 402).
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى (7/ 392 - 393).
3 -
أن القول بذلك يلزم منه لوازم باطلة، منها: القول باستمرار التشريع، وأن يخلو القبر من جسده صلى الله عليه وسلم فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب، وأن يكون من رآه صحابياً وغيرها (1).
4 -
أن القائلين بذلك اضطربوا في رؤيته صلى الله عليه وسلم هل هي رؤية لذاته على الحقيقة أو رؤية مثال لها، وهل تكون بالقلب أو بالبصر (2)، وهذا محسوس والاختلاف فيها على هذا الوجه يدل على عدم تحققها.
5 -
أن القائلين بذلك لم يذكروا على قولهم هذا دليلاً يُعتمد عليه، وما ذكروه أمران:
• حديث: (من رآني في المنام، فسيراني في اليقظة)(3):
والحديث أخرجه البخاري من طريق عبد الله بن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن محمد بن شهاب الزهري، عن أبي هريرة رضي الله عنه به.
والجواب عنه من وجهين:
أ- أن أهل العلم اختلفوا في المراد بالحديث على أقوال (4)، أصحها أن المراد به التشبيه والتمثيل، ويدل لذلك روايات الحديث الأخرى فقد رواه بقية أصحاب الزهري بلفظ:(من رآني في المنام فسيراني في اليقظة أو فكأنما رآني في اليقظة، لا يتمثل الشيطان بي)(5).
(1) ينظر: فتح الباري (12/ 401 - 402).
(2)
ينظر: أقوالهم في الحاوي للفتاوى لجلال الدين السيوطي (2/ 263).
(3)
أخرجه البخاري في كتاب التعبير باب من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام برقم (6993).
(4)
ينظر: فتح الباري (12/ 385)، وشرح صحيح مسلم (15/ 24).
(5)
أخرجه مسلم في كتاب الرؤيا، باب قول النبي عليه الصلاة والسلام:(من رآني في المنام فقد رآني)، برقم (2266).