الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
حياتهم في قبورهم وأن الأرض لا تأكل أجسادهم:
يقرر الشيخ رحمه الله بعض خصائصهم، فيقول:"إذا مات الإنسان ولياً أو غير ولي، فإن جسمه لا يرفع إلى السماء، وإنما تصعد روح المؤمن إلى السماء وأما الأجساد فإنها تبقى في الأرض؛ لقوله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55)} طه: 55، كما أن الأجساد تفنى ويأكلها الدود حاشا أجساد الأنبياء فقد ثبت من حديث أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علىَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي) فقالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ قال: يقولون: بليت، قال: (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) (1) "(2).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وكونه صلى الله عليه وسلم قد ذاق الموتة الأولى التي هي موتة الدنيا لا ينافي حياته البرزخية حيث أخبرنا الله تعالى في كتابه بأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون ولم ينالوا ذلك إلا بمتابعتهم وإيمانهم بهم الإيمان الصادق، وحياة الأنبياء البرزخية تفوق حياة الشهداء إذ هم أفضل الخلق على الإطلاق"(3).
قال الشيخ سليمان بن سحمان (4) رحمه الله: " ومن المعلوم أنه لم يكن صلى الله عليه وسلم حياً في قبره كالحياة الدنيوية المعهودة، التي تقوم فيها الروح بالبدن، وتدبره وتصرفه، ويحتاج معها إلى
(1) أخرجه ابن ماجة في كتاب ما جاء في الجنائز باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم برقم (1636)، والنسائي في كتاب الجمعة، باب الأمر بإكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة برقم (1678)، قال الحافظ في " الفتح " (6/ 488): صححه ابن خزيمة وغيره، وصححه الألباني في إرواء الغليل (1/ 34) برقم (5).
(2)
فتاوى اللجنة (3/ 266).
(3)
فتح الباري (6/ 488).
(4)
هو: سليمان بن سحمان بن مصلح بن حمدان الخثعمي العسيري النجدي، ولد في قرية السقا من قرى أبها سنة 1266 هـ، كاتب فقيه، انتقل مع أبيه إلى الرياض فتلقى عن علمائها التوحيد والفقه واللغة، ومن مصنفاته: الضياء الشارق في الرد على شبهات الماذق المارق والصواعق المرسلة الشهابية وغيرها، كف بصره في آخر حياته، وتوفي في الرياض عام (1349 هـ).
ينظر: مقدمة كتابه الضياء الشارق لعبد السلام برجس (ص 1 - 2)، الأعلام (3/ 126).
الطعام والشراب واللباس والنكاح، وغير ذلك، بل حياته صلى الله عليه وسلم حياة برزخية، وروحه في الرفيق الأعلى وكذلك أرواح الأنبياء، والأرواح متفاوتة في مستقرها في البرزخ أعظم تفاوت، فمنها أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى، وهي أرواح الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وهم متفاوتون في منازلهم كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، ونبينا في المنزلة العليا التي هي الوسيلة" (1).
وقال ابن القيم رحمه الله مبيناً الفرق بين الروح وبين ما يعهد من الأجساد المخلوقة، وموضحاً منازلها بعد موتها وعلاقتها بأبدانها التي فارقتها، والمكانة الخاصة لأرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام-: "
…
وقد بّينا أن عرض مقعد الميت عليه من الجنة والنار لا يدل على أن الروح في القبر، ولا على فنائه دائماً من جميع الوجوه، بل لها إشراف واتصال بالقبر وفنائه، وذلك القدر منها يعرض عليه مقعده، فإن للروح شأناً آخر تكون في الرفيق الأعلى في أعلى عليين، ولها اتصال بالبدن، بحيث إذا سلّم المسلم على الميت ردّ الله عليه روحه فيرد عليه السلام وهي في الملأ الأعلى، وإنما يغلط أكثر الناس في هذا الموضع، حيث يعتقد أن الروح من جنس ما يعهد من الأجسام، التي إذا شغلت مكانا لم يمكن أن تكون في غيره، وهذا غلط محض، بل الروح تكون فوق السموات في أعلى عليين وترد إلى القبر فترد السلام وتعلم بالمسلم وهي في مكانها، وروح رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرفيق الأعلى دائماً، ويردها الله سبحانه إلى القبر فترد السلام على من سلم عليه، وتسمع كلامه وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم موسى قائما يصلى في قبره، ورآه في السماء السادسة والسابعة، فإما أن تكون سريعة الحركة والانتقال كلمح البصر، وإما أن يكون المتصل منها بالقبر وفنائه بمنزلة شعاع الشمس وجرمها في السماء" (2).
وإذا ماتت الأجساد تفنى ويأكلها الدود، حاشا أجساد الأنبياء فمقابرهم لا تنتن، بل إنهم لا يبلون، وتراب قبورهم طاهر (3).
(1) الصواعق المرسلة الشهابية (ص 82).
(2)
الروح (ص 149).
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى (27/ 160)، شرح الطحاوية (1/ 456)،والاعتقاد للبيهقي (1/ 305)، ومسلك القرآن الكريم في إثبات البعث لعلي بن محمد الفقيهي (ص 102).