الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
اختصاصه صلى الله عليه وسلم بأنه خلق من نور
.
قال الشيخ مبيناً هذه العبارة: "وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه نور من نور الله إن أريد به أنه نور ذاتي من نور الله فهو مخالف للقرآن الدال على بشريته، وإن أريد بأنه نور باعتبار ما جاء به من الوحي الذي صار سببًا لهداية من شاء من الخلق فهذا صحيح، وللنبي صلى الله عليه وسلم نور هو نور الرسالة والهداية التي هدى الله بها بصائر من شاء من عباده، ولا شك أن نور الرسالة والهداية من الله، قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)} الشورى: 51. وليس هذا النور مكتسبًا من خاتم الأولياء كما يزعمه بعض الملاحدة، أما جسمه صلى الله عليه وسلم فهو دم ولحم وعظم
…
إلخ، خُلق من أب وأم ولم يسبق له خلق قبل ولادته، وما يروى أن أول ما خلق الله نور النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أو أن الله قبض قبضة من نور وجهه وأن هذه القبضة هي محمد صلى الله عليه وسلم ونظر إليها فتقاطرت فيها قطرات فخلق من كل قطرة نبيًا، أو خلق الخلق كلهم من نوره صلى الله عليه وسلم، فهذا وأمثاله لم يصح منه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم " (1).
وقال الشيخ عبد الرزاق: كذلك: "النبي صلى الله عليه وسلم نور هدى ورشاد، كما قال تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)} الشورى: 52، و {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)} الأحزاب: 45 - 46، وليس بدنه نورًا وليس هو من نور الله الذي هو وصفه، بل هو لحم وعظم وما خالطهما، خلق من أب وأم كغيره كما مضت بذلك سنة الله تعالى في البشر، وكان يأكل ويشرب ويقضي من شأنه، وله ظل إذا مشى في شمس أو نحوها، وأما قوله تعالى:{قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)} المائدة: 15 - 16، فالمراد بالنور في ذلك: ما بعثه الله به من الوحي، من
(1) فتاوى اللجنة (1/ 446 - 447)،وينظر: فتاوى اللجنة 467 - 468). و (ص 366 وما بعدها من [مجموع الفتاوى] لابن تيمية، الجزء الثامن عشر).
عطف الخاص على العام ولم يثبت في القرآن ولا في السنة الصحيحة أنه نور عرش الله، أما ما يروى من أن النبي صلى الله عليه وسلم خلق من نور الله فهو حديث موضوع" (1).
ومن قال بأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خلق من نور؛ فلا بد من أن يبين مراده وإلا فقوله هذا باطل من وجوه:
1 -
أن القول بذلك ينافي بشرية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن البشر مخلوقون من التراب لا من النور، قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20)} الروم: 20. وقال صلى الله عليه وسلم: (خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم) (2).
فهذا خبر عام في جميع البشر، فتخصيص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأنه خلق من نور يحتاج إلى مخصص، ولا مخصص (3).
2 -
أن القول بذلك يفضي إلى بعض العقائد الفاسدة كاعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور الله تعالى، وأن العالم كله خلق من نوره، وأنه أول المخلوقات، وأن خلقه متقدم على العرش والقلم، وقد التزم جماعة من القائلين بذلك بهذه العقائد (4).
3 -
أن القول بذلك مأخوذ من بعض الفلسفات القديمة، والنظريات الفاسدة (5).
(1) فتاوى اللجنة (1/ 463)، وينظر: فتاوى اللجنة (1/ 466 - 467) فتاوى اللجنة (1/ 464).
(2)
أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب في أحاديث متفرقة (4/ 2294) برقم (2996) من حديث عائشة رضي الله عنها به.
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى (11/ 94 - 95)، فتاوى ابن عثيمين (1/ 333).
(4)
ينظر: الفتوحات المكية لابن عربي الطائي (1/ 119)، الإنسان الكامل لعبد الكريم الجليلي (2/ 46)، الإبريز لأحمد بن المبارك (ص 252).
(5)
ينظر: الجواب الصحيح (3/ 384)، حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ لعبد الرؤوف القاسم (ص 280)، التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق لزكي مبارك (1/ 210، 279، 201)، الانحرافات العقدية عند الصوفية لإدريس محمود إدريس (1/ 393)، خصائص المصطفى بين الغلو والجفاء (100 - 109).