الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} ، ولم يقل: وأطيعوا أولي الأمر منكم؟ لأن أولي الأمر لا يفردون بالطاعة، بل يطاعون فيما هو طاعة لله ورسوله، وأعاد الفعل مع الرسول؛ لأنه من يطع الرسول فقد أطاع الله، فإن الرسول لا يأمر بغير طاعة الله، بل هو معصوم في ذلك، وأما ولي الأمر، فقد يأمر بغير طاعة الله، فلا يطاع إلا فيما هو طاعة لله ورسوله.
وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا، فلأنه يترتب على الخروج عن طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل" (1).
ويقول ابن تيمية متحدثاً عن مذهب أهل السنة والجماعة: " إنهم لا يوجبون طاعة الإمام في كل ما يأمر به، بل لا يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة، فلا يجوزون طاعته في معصية الله وإن كان إماماً عادلاً، فإذا أمرهم بطاعة الله فأطاعوه، مثل أن يأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصدق والعدل والحج والجهاد في سبيل الله، فهم في الحقيقة إنما أطاعوا الله
…
فأهل السنة لا يطيعون ولاة الأمور مطلقاً، إنما يطيعونهم في ضمن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم " (2).
2 - عدم الخروج عليهم:
دلّت النصوص الشرعية على تحريم الخروج على ولاة الأمور وأئمة المسلمين، منها:
قوله صلى الله عليه وسلم: (من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، فميتته جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برّها وفاجرها، ولا يفي بذي عهدها، فليس مني)(3).
وقال صلى الله عليه وسلم: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل: يا رسول الله:
(1) شرح الطحاوية (2/ 542 - 543)، وينظر: مجموع الفتاوى (35/ 5 - 17)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 180 - 181).
(2)
منهاج السنة (3/ 387).
(3)
أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن (3/ 1476) برقم (1848) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه به.
أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة، ومن ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعنَّ يداً من طاعة) (1).
فمن أصول أهل السنة والجماعة لزوم الجماعة، وترك قتال الأئمة والخروج عليهم وإن جاروا.
قال الإمام أحمد رحمه الله: " ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه، وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان الرضا والغلبة، فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مات الخارج عليه مات ميتةً جاهلية، ولا يحلُّ قتال السلطان، والخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق
…
" (2).
قال النووي: " لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيث ما كنتم، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق
…
" (3).
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب خيار الأئمة وشرارهم برقم (1855) من حديث عوف بن مالك الأشجعي.
(2)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 181).
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم (12/ 229)، وينظر: شرح العقيدة الطحاوية (2/ 540 - 544)، والإبانة لأبي الحسن الأشعري (ص 61)، والشريعة للآجري (ص 38 - 41)، واعتقاد أئمة الحديث للإسماعيلي (ص 75 - 76)، والشرح والإبانة لابن بطة (ص 276 - 278)، والاعتقاد للبيهقي (ص 242 - 246)، والعقيدة الواسطية مع شرحها للهراس (ص 257 - 259)، رسالة إلى أهل الثغر لعلي بن إسماعيل الأشعري (ص 296 - 297)، عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص 294).