الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديث أبي سعيد- كسائر ما ورد من الأسماء والصفات التي قد يسمى المخلوق بها على وجه التقييد، وإذا أطلقت على الله مختصة به؛ مثل العليم والقدير والرحيم والسميع والبصير، ومثل خلقه بيديه واستوائه على العرش ونحو ذلك" (1).
وبهذا يتضح أن الصورة صفة من صفات الله عز وجل الذاتية كسائر الصفات الثابتة بالأحاديث الصحيحة.
15 - صفة الوجود
لله عز وجل:
يبين الشيخ رحمه الله أن: " وجود الله معلوم من الدين بالضرورة، وهو صفة لله بإجماع المسلمين، بل صفة لله عند جميع العقلاء حتى المشركين لا ينازع في ذلك إلَاّ ملحد دهري. ولا يلزم من إثبات الوجود صفة لله، أن يكون له موجد؛ لأن الوجود نوعان:
الأول: وجود ذاتي وهو ما كان وجوده ثابتاً له في نفسه لا مكسوباً له من غيره، وهذا هو وجود الله سبحانه وصفاته، فإن وجوده لم يسبقه عدم ولا يلحقه عدم {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)} الحديد:3.
الثاني: وجود حادث وهو ما كان حادثاً بعد عدم فهذا الذي لابد له من موجد يوجده وخالق يحدثه وهو الله سبحانه، قال تعالى:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)} الزمر: 62 - 63، وقال تعالى:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} الطور: 35 - 36، وعلى هذا يوصف الله تعالى بأنه موجود ويخبر عنه بذلك في الكلام فيقال: الله موجود، وليس الوجود اسماً، بل صفة" (2).
وقد ورد في الكتاب والسنة ما يثبت هذه الصفة الذاتية لله سبحانه وتعالى.
فمن الكتاب:
- قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)} الحديد: 3.
(1) نقض التأسيس (ص 455).
(2)
فتاوى اللجنة الدائمة (3/ 190 - 191)، وينظر: مذكرة التوحيد (ص 18) وما بعدها.
- وقوله عز وجل: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} القصص: 88.
ومن السنة:
- قول الرسول صلى الله عليه وسلم في دعائه: (أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء)(1).
قال ابن جرير (2) رحمه الله: " هو (الأول) قبل كل شيء بغير حدٍّ، و (الآخر) بعد كل شيء بغير نهاية، وإنما قيل ذلك كذلك، لأنه كان ولا شيء موجوداً سواه، وهو كائنٌ بعد فناء الأشياء كلِّها، كما قال جلَّ ثناؤه: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} القصص: 88"(3).
قال ابن أبي العز رحمه الله: " فقول الشيخ رحمه الله قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء هو معنى اسمه الأول والآخر، والعلم بثبوت هذين الوصفين مستقر في الفطر، فإن الموجودات لا بد أن تنتهي إلى واجب الوجود لذاته قطعاً للتسلسل، فإنا نشاهد حدوث الحيوان والنبات والمعادن، وحوادث الجو كالسحاب والمطر وغير ذلك، وهذه الحوادث وغيرها ليست ممتنعة فإن الممتنع لا يوجد، ولا واجبة الوجود بنفسها، فإن واجبَ الوجود بنفسه لا يقبل العَدَم، وهذه كانت معدومة ثم وجدت، فعدمها ينفي وجوبها، ووجودها ينفي امتناعها، وما كان قابلاً للوجود والعدم لم يكن وجوده بنفسه كما قال تعالى:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35)} الطور: 35، يقول سبحانه: أحَدثوا من غير مُحدِث أم هم أحدثوا أنفسهم؟! ومعلوم أن الشيء المحدث لا يُوجد نفسه، فالممكن الذي ليس له من نفسه وجود ولا عدم لا يكون موجوداً بنفسه، بل إنْ حصل ما يوجده وإلا كان معدوماً، وكل ما
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع برقم (2713).
(2)
هو: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير، أبو جعفر الطبري، الإمام المفسر، أحد أعلام السلف، له مصنفات منها: جامع البيان في تأويل آي القرآن، وتاريخ الأمم والملوك، وصريح السنة وغيرها، توفي سنة (310 هـ).
ينظر: سير أعلام النبلاء (14/ 267)، شذرات الذهب (2/ 260).
(3)
جامع البيان (27/ 124).