الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تكاد كلمة الأئمة والفقهاء ومجتهدي المذاهب تتفق على حظر ترجمة القرآن الكريم، وسواء أكانت هذه الترجمة في الصلاة أو في غير الصلاة (1)، لولا الخلاف والاضطراب فيما نقل عن الإمام أبي حنيفة وصاحبيه من جواز قراءة القرآن بالفارسية في خصوص الصلاة للعاجز عن القراءة بالعربية (2)، ولكن اتفق الحنفية جميعًا في كتاباتهم على أن أبا حنيفة رجع عن رأيه ولا يخفى أن المجتهد إذا رجع عن قوله لا يعد ذلك المرجوع عنه قولاً له.
جواز تفسير القرآن الكريم بغير العربية:
بين الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله جواز تفسير القرآن الكريم بغير العربية، فيقول:"آيات القرآن وإن لم يفهمها العجم، ومن في حكمهم من النصوص مباشرة، يمكن أن يفهموهما بتفسيرها لهم بلغتهم، وإذن لا يكون العيب فيها ولكن في تصورها"(3).
إن عالمية الإسلام، وانتشاره يحتم ترجمة (4) تفسير للقرآن الكريم إلى شتى لغات العالم، لئلا يحرم من ثمراته وفوائده أي مسلم على وجه البسيطة.
(1) ينظر: الشافعية: المجموع للنووي (3/ 379)، المالكية: حاشية الدسوقي على شرح الدردير (1/ 232 - 236)، الحنابلة: المعني لابن قدامة (1/ 526)، الحنفية: اختلفت نقول الحنفية في هذا المقام، واضطرب النقل بنوع خاص عن الإمام.
(2)
قال أحد علماء الأحناف في مجلة الأزهر (3/ 32، 33، 66، 67): " أجمع الأئمة على أنه لا تجوز قراءة القرآن بغير العربية خارج الصلاة، ويمنع فاعل ذلك أشد المنع، لأن قراءته بغيرها من قبيل التصرف في قراءة القرآن بما يخرجه عن إعجازه، بل بما يوجب الركاكة؛ وأما القراءة في الصلاة بغير العربية فتحرم إجماعاً للمعنى المتقدم لكن لو فرض وقرأ المصلي بغير العربية، أتصح صلاته أم تفسد؟
ذكر الحنفية في كتبهم أن الإمام أبا حنيفة كان يقول أولاً: إذا قرآ المصلي بغير العربية مع قدرته عليها اكتفى بتلك القراءة، ثم رجع عن ذلك وقال:"متى كان قادراً على العربية ففرضه قراءة النظم العربي، ولو قرآ بغيرها فسدت صلاته لخلوها من القراءة مع قدرته عليها، والإتيان بما هو من جنس كلام الناس حيث لم يكن المقروء قرآنا". ورواية رجوع الإمام هذه تعزى إلى أقطاب في المذهب، منهم نوح ابن مريم، وهو من أصحاب أبي حنيفة، ومنهم علي بن الجعد، وهو من أصحاب أبي يوسف ومنهم أبو بكر الرازي، وهو شيخ علماء الحنفية في عصره بالقرن الرابع
…
".
(3)
الإحكام في أصول الأحكام (1/ 225).
(4)
الترجمة التفسيرية: هي التي تهتم بشرح وتوضح لمعاني القرآن بلغة غير لغته، أي بلغة أعجمية لا عربية.
والقرآن الكريم مليء بالمعاني والأسرار الجلية والخفية، إلى درجة تعجز المخلوق عن الإحاطة بها، فضلاً عن محاكاتها، بلغة عربية أو غير عربية، أما التفسير فمعانيه محدودة، لأن قدرة صاحبه محدودة، مهما حلّق في سماء البلاغة والبيان والعلم والمعرفة.
فيحسن أن تسمى مثل هذه الترجمة «ترجمة تفسير القرآن» «أو» تفسير القرآن باللغة الفرنسية مثلاً، أو الإنكليزية وهكذا، ولا يجوز أيضًا أن تسمى «ترجمة معاني القرآن» لأن الترجمة لا تضاف إلا إلى الألفاظ، ولأن هذه الترجمة توهم أنها ترجمة للقرآن نفسه.
ينظر: مجلة المعرفة العدد (162) ضوابط وفوائد ترجمة القرآن الكريم للدكتور محمد محمود كالو.
وتعدُّ الترجمة وسيلة من وسائل الدعوة، ومظهراً من مظاهر حوار الحضارات، قديماً وحديثاً ومستقبلاً. خاصة وأن ترجمة تفسير القرآن الكريم لها فوائد عظيمة منها: تبليغ معاني القرآن الكريم بتفسيره للأمة الإسلامية جمعاء، كل أمة بلسانها، ودفع الشبهات والأباطيل التي ألصقها أعداء الإسلام بالقرآن الكريم وتفسيره، وكشف النقاب عن جمال القرآن الكريم ومحاسنه، وإحياء لغة العرب، وتعريب الأعاجم.
ولا ريب في أن تفسير القرآن بلسان أعجمي لمن لا يحسن العربية، يجري في حكمه مجرى تفسيره بلسان عربي لمن يحسن العربية. فكلاهما عرض لما يفهمه المفسر من كتاب الله بلغة يفهمها مخاطبه، لا عرض لترجمة القرآن نفسه، وكلاهما لما يستطاع من المعاني والمقاصد، لا حكاية لجميع المقاصد. وتفسير القرآن الكريم يكفي في تحققه أن يكون بياناً لمراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية ولو جاء على احتمال واحد؛ لأن التفسير في اللغة هو الإيضاح والبيان، وهما يتحققان ببيان المعنى ولو من وجه ولأن التفسير في الاصطلاح علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله بقدر الطاقة البشرية وهذا يتحقق أيضاً بعرض معنى واحد من جملة معان يحتملها التنزيل. وإذا كان تفسير القرآن بياناً لمراد الله بقدر الطاقة البشرية، فهذا البيان يستوي فيه ما كان بلغة العرب وما ليس بلغة العرب، لأن كلاً منهما مقدور للبشر، وكلاً منهما يحتاجه البشر، بيد أنه لابد من أمرين: أن يستوفي هذا النوع شروط التفسير باعتبار أنه تفسير، وأن يستوفي شروط الترجمة باعتبار أنه نقل لما يمكن من معاني اللفظ العربي بلغة غير عربية (1).
(1) ينظر: مناهل العرفان في علوم القرآن (2/ 30).