الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
هل الملائكة الموكلون بالإنسان يموتون بموته
؟
يبين الشيخ رحمه الله الإجابة، وأن مثل هذا السؤال ليس مما كلفنا الله باعتقاده، فيقول:" أحوال الملائكة وشؤونهم من الغيبيات، ولا تعرف إلا من قبل السمع، ولم يرد نص في موت كتبة الحسنات والسيئات عند موت من تولوا كتابة حسناته وسيئاته، ولا نص ببقاء حياتهم ولا عن مصيرهم، وذلك إلى الله وليس ما سئل عنه مما كلفنا اعتقاده، ولا يتعلق به عمل، فالسؤال عن ذلك دخول فيما لا يعني؛ لذا ننصح السائل أن لا يدخل فيما لا يعنيه، ويبذل جهده في السؤال عما يعود عليه وعلى المسلمين بالنفع في دينهم ودنياهم"(1).
من عظمة الله تعالى وكمال ربوبيته سبحانه تفرده سدد خطاكم بالبقاء قال سبحانه: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} القصص: 88، وقال تعالى:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)} الرحمن: 26 - 27.
قال ابن كثير رحمه الله: " يخبر تعالى أن جميع أهل الأرض سيذهبون ويموتون أجمعون، وكذلك أهل السماوات إلا ما شاء الله، ولا يبقى أحد سوى وجهه الكريم؛ فإن الرب تعالى لا يموت، بل هو الحي الذي لا يموت أبداً"(2).
وقد اختُلِفَ في الملائكة هل يموتون أم هم ممن استثنى الله؟
يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في شرحه لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (أعوذ بعزتك، الذي لا إله إلا أنت، الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون)(3):قوله (والجن والإنس يموتون) استدل به على أن الملائكة لا تموت، ولا حجة فيه
…
ولا اعتبار له، وعلى تقديره فيعارضه ما هو أقوى منه، وهو عموم قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا
(1) فتاوى اللجنة (2/ 185).
(2)
تفسير ابن كثير (4/ 287).
(3)
أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى:{هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} برقم (7383)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، برقم (2717).
وَجْهَهُ} القصص: 88، مع أنه لا مانع من دخولهم في مسمى الجن؛ لجامع ما بينهم من الاستتار عن عيون الإنس" (1).
والملائكة من مخلوقات الله، يجوز عليهم الموت والهلاك، شأنهم شأن سائر المخلوقات "ولكن جعل الله لهم أمدا بعيدا، فلا يتوفاهم حتى يبلغوه"(2).
والقول بموت الملائكة هو الذي عليه أكثر الناس.
سُئل شيخ الإسلام رحمه الله: هل جميع الخلق حتى الملائكة يموتون، فأجاب: " الذي عليه أكثر الناس أن جميع الخلق يموتون حتى الملائكة وحتى عزرائيل (3)
ملك الموت
…
والمسلمون واليهود والنصارى متفقون على إمكان ذلك وقدرة الله عليه
…
والله سبحانه قادر على أن يميتهم ثم يحييهم كما هو قادر على إماتة البشر والجن ثم إحيائهم وقد قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} الروم: 27، وقد ثبت
(1) فتح الباري (13/ 370).
(2)
المنهاج في شعب الإيمان للحليمي (1/ 302)، للإستزاده ينظر: المسائل العقدية في فيض القدير (ص 583 - 584).
(3)
قال ابن عثيمين رحمه الله: "اشتهر أن اسم ملك الموت عزرائيل، إلا أنه لم ترد تسمية ملك الموت بهذا الاسم في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية الصحيحة، وإنما ورد ذلك في بعض الآثار والتي قد تكون من الإسرائيليات وعلى هذا، لا ينبغي الجزم بالنفي ولا بالإثبات، فلا نثبت أن اسم ملك الموت عزرائيل، ولا ننفي ذلك، بل نفوض الأمر إلى الله تعالى ونسميه بما سماه الله تعالى به "ملك الموت" قال الله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)} السجدة: 11".
وقال ابن كثير: "وأما ملك الموت فليس بمصرح باسمه في القرآن، ولا في الأحاديث الصحاح، وقد جاء تسميته في بعض الآثار بعزرائيل، والله أعلم".
وقال السندي: "لم يرد في تسميته حديث مرفوع" اهـ.
وقال المناوي - بعد أن ذكر أن ملك الموت اشتهر أن اسمه عزرائيل-، قال:"ولم أقف على تسميته بذلك في الخبر" اهـ.
وقال الشيخ الألباني في تعليقه على قول الطحاوي: "ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين ". قال رحمه الله: "هذا هو اسمه في القرآن، وأما تسميته بـ "عزرائيل" كما هو الشائع بين الناس فلا أصل له، وإنما هو من الإسرائيليات" اهـ.
ينظر: البداية والنهاية (1/ 49)، فيض القدير للمناوي (3/ 32)، فتاوى ابن عثيمين (3/ 161)، الألفاظ الموضحات لعبدالله الدويش (2/ 36)، ومعجم المناهي اللفظية لبكر أبو زيد (ص 390).
عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه وعن غير واحد من الصحابة أنه قال: (إن الله إذا تكلم بالوحي أخذ الملائكة مثل الغشي)، وفى رواية:(إذا سمعت الملائكة كلامه صعقوا)(1)، وفى رواية:(سمعت الملائكة كجر السلسلة على الصفوان فيصعقون فإذا فزع عن قلوبهم - أي أزيل الفزع عن قلوبهم- قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق فينادون الحق الحق)(2)، فقد أخبر في هذه الأحاديث الصحيحة أنهم يصعقون صعق الغشي فإذا جاز عليهم صعق الغشي جاز صعق الموت
…
وصعق الغشي هو مثل صعق موسى عليه السلام قال تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} الأعراف: 143، والقرآن قد أخبر بثلاث نفخات نفخة الفزع ذكرها في سورة النمل في قوله:{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} النمل: 87.
ونفخة الصعق والقيام ذكرهما في قوله: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)} الزمر: 68، وأما الاستثناء فهو متناول لمن دخل في الجنة من الحور العين فإن الجنة ليس فيها موت ومتناول لغيرهم ولا يمكن الجزم بكل من استثناه الله فإن الله أطلق في كتابه، وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فأجد موسى آخذا بساق العرش فلا أدرى هل أفاق قبلي أم كان ممن استثناه الله)(3)، وهذه الصعقة قد قيل إنها رابعة وقيل إنها من المذكورات في القرآن.
(1) أخرجه ابن أبي عاصم في السنة في باب ذكر الكلام والصوت والشخص وغير ذلك برقم (515)، وابن خزيمة في التوحيد في باب صفة تكلم الله بالوحي
…
وصعق أهل السماوات
…
برقم (206)، إسناده ضعيف لأن في الإسناد الوليد بن مسلم القرشي مدلس ولم يصرح بالسماع من شيخه وفي الإسناد كذلك نعيم بن حماد الخزاعي وهو صدوق يخطئ كثيرا.
(2)
أخرجه أبو داود في كتاب السنة باب في القرآن برقم (4738)، ابن حبان في صحيحه في كتاب الوحي برقم (37)، وابن خزيمة في التوحيد (207)، في هذا الخبر أبي معاوية، إسناده ضعيف، وللحديث شواهد صحيحة فقد أخرج البخاري في كتاب تفسير سورة سبأ، باب:(حتى إذا فزع عن قلوبهم) برقم (4800) شاهداً للحديث السابق.
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الخصومات، باب ما يذكر في الإشخاص والخصومة بين المسلم واليهودي، برقم (2411)، ومسلم في كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى عليه السلام، برقم (2375).
وبكل حال النبي صلى الله عليه وسلم قد توقف في موسى وهل هو داخل في الاستثناء فيمن استثناه أم لا فإذا كان النبي لم يخبر بكل من استثنى الله لم يمكنا نحن أن نجزم بذلك وصار هذا مثل العلم بوقت الساعة وأعيان الأنبياء وأمثال مما لم يخبر به وهذا العلم لا ينال إلا بالخبر؛ والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم" (1).
(1) مجموع الفتاوى (4/ 259 - 260 - 261)، وينظر: البعث والنشور للبيهقي (ص 325) وما بعدها، العظمة لأبي الشيخ الأصفهاني (3/ 822)، البداية والنهاية (19/ 311)، فتح الباري (11/ 368)، الدر المنثور (5/ 339).