الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
2- معجزة النّاقة
علم الله تعالى ما في طبع البشر من العناد والاستبداد، والمطالبة بالدليل على صدق الدعوة، فأيّد رسله وأنبياءه الكرام بالمعجزات لتدلّ على صدقهم، والمعجزة:
هي الأمر الخارق للعادة والإمكانات البشرية المألوفة. ومن غرائب المعجزات: ناقة صالح عليه السلام، سواء في طريقة إيجادها، أم في نتاجها ولبنها، فهي بخلق مباشر من الله تعالى من غير تناسل ولا توالد، وتدرّ لبنا غزيرا لا ينفد ولا ينقطع، تكفي جميع أبناء القبيلة الذين يحلبون منها ما شاؤوا، دون أن يجفّ الضّرع أن ينضب اللبن.
وهذا ما أخبر به القرآن الكريم في الآيات التالية:
[سورة هود (11) : الآيات 64 الى 68]
وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68)
«1» «2» «3» «4» «5» [هود: 11/ 64- 68] .
هذه معجزة النّاقة. روي أن قوم صالح طلبوا منه آية تضطرهم إلى الإيمان، فأخرج الله جلّت قدرته لهم النّاقة من الجبل. وخرجت عشراء، ووضعت بعد خروجها، فمنحها صالح عليه السلام لهم قائلا:
هذه آية على صدقي ناقة الله، التي تتميز عن سائر الإبل بأكلها وشربها وغزارة
(1) معجزة دالّة على نبوّتي.
(2)
صوت مهلك.
(3)
ميتين لا حراك لهم.
(4)
لم يقيموا فيها طويلا برغد.
(5)
هلاكا لهم.
لبنها، كما في آية أخرى: إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28)[القمر: 54/ 27- 28] .
فاتركوها تأكل ما شاءت في أرض الله من المراعي، دون أن تتحملوا عبء مؤنتها، وإياكم أن تمسّوها بسوء من أي نوع كان، فيقع بكم عذاب عاجل، لا يتأخر عن إصابتكم، فقالوا: عياذا بالله أن نفعل ذلك.
فلم يمعوا نصحه، وكذّبوه وعقروا النّاقة، عقرها بتواطؤ معهم أشقاهم وهو قدار بن سالف، كما قال الله تعالى: فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (29)[القمر: 54/ 29] .
فقال لهم صالح: تمتعوا بالعيش في بلدكم (دياركم) مدة ثلاثة أيام، أي هذا ميعاد ثلاثة أيام للعذاب، ذلك وعد صادق مؤكد غير مكذوب فيه.
ثم وقع ما أوعدهم به، فلما حان وقت أمر الله بالعذاب والهلاك، ونزلت الصاعقة، نجى الله تعالى صالحا والمؤمنين معه، برحمة سابغة منه، نجاهم من عذاب شديد، ومن ذلّ ومهانة حدثت يومئذ، أي يوم وقوع الهلاك: يوم التعذيب.
والخزي: الذّلّ العظيم البالغ حدّ الفضيحة، إن ربّك هو القوي القادر الغالب على كل شيء، العزيز، أي الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
وأصبح أمرهم أنه أخذتهم صيحة العذاب، وهي الصاعقة ذات الصوت الشديد المهلك، التي تزلزل القلوب، وتصعق عند سماعها النفوس، فصعقوا بها جميعا، وأصبحوا جثثا هامدة ملقاة على الأرض.
وكأنهم لسرعة هلاكهم لم يوجدوا في الدنيا، ولم يقيموا في ديارهم، بسبب كفرهم وجحودهم بآيات ربّهم، ألا إنهم كفروا بربّهم، فاستحقّوا عقابه الشديد، ألا بعدا لهم عن رحمة الله، وسحقا لثمود، وهلاكا لهم ولأمثالهم. وقوله سبحانه: كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا من غني في المكان: إذا أقام فيه في خفض عيش، وهي المغاني.