الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا تركوا ما هو الأولى بهم، وهو العفو عن المسيء، وفيه حض على العفو عن الجاني، كما قال تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) [الشورى:
42/ 43] . وقال سبحانه: فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى: 42/ 40] وقال عز وجل: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [البقرة: 2/ 237] .
وفي هذا دلالة واضحة على أن القادر على العفو، قادر على العقوبة، فليس العفو عن ضعف وعجز، وإنما العافي هو الذي يقدر على ضده.
من أدلة القدرة الإلهية
يقرن الله تعالى عادة إنجاز وعده بالنصر لأوليائه أو بعثه العباد بعد الموت، بأنه صاحب القدرة المطلقة التي لا حدود لها، ويضرب الأمثال على ذلك، ويقيم الأدلة الحسية المشاهدة في الكون على قدرته سبحانه من السمع والبصر، وإيلاج الليل في النهار وعلى العكس، وأنه الحق الثابت، وإنزاله المطر من السماء، وملكه جميع ما في السماوات والأرض، وتسخير ما في الأرض والسفن للناس، وإمساك السماء من وقوعها على الأرض، وإحياء الأنفس، وإماتتها، ولكن الإنسان قصير النظر، جاحد النعمة، لا يقدّر عادة نعم الله عليه، قال الله تعالى موضحا هذه الأدلة القاطعة على قدرته:
[سورة الحج (22) : الآيات 61 الى 66]
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَاّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (65)
وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ (66)
«1»
(1) يدخل.
[الحج: 22/ 61- 66] .
يورد الله تعالى في هذه الآيات طائفة من البراهين والأدلة على قدرته الفائقة، وعلمه الشامل، ومن اتصف بهذه القدرة العظيمة، كان قادرا على نصر أوليائه، ومنها ما لا يدّعى لغير الله تعالى، وهذه الأدلة:
1-
تقصير الليل وزيادة النهار وعكسها، وعبر عن ذلك بكلمة إيلاج الليل في النهار، وإيلاج النهار في الليل، تشبيها وتجوزا، وذلك بسبب أن الله سميع لكل قول وهمسة، بصير بكل فعل وحال، لا يخفى عليه شيء مطلقا، وأن الله هو الحق، أي الموجود الثابت الواجب الوجود لذاته، من غير مثيل ولا شريك، أي أنه مصدر الوجود، وأنه المعبود بحق الذي لا تنبغي العبادة إلا له، ولأن الله هو المتعالي على كل شيء، بقدرته وعظمته، الكبير عن أن يكون له شريك، فهو العظيم الذي لا أعظم منه، العلي الذي لا شيء أعلى منه شأنا، الكبير الذي لا أكبر منه. فكيف يصح لعبدة الأصنام والأشخاص عبادة من لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا؟! 2- إنزال المطر من السماء فتصير به الأرض ذات خضرة بالنباتات والأزهار ذات الألوان البديعة، والأشكال الرائعة، بعد يبسها وجمودها، إن الله رحيم لطيف بعباده، يدبّر لهم أمر المعاش والمعاد، خبير بمصالح خلقه ومنافعهم وأحوالهم، لا تخفى عليه خافية.
3-
ملك السموات والأرض وما فيهما وما بينهما، فجميع ما في السموات وما
في الأرض لله سبحانه خلقا وملكا وعبيدا، فكل شيء مملوك له، خاضع لأمره، وهو غني عما سواه، محمود على كل حال.
4-
تسخير ما في الأرض والفلك وإمساك السماء: فإن الله سبحانه ذلّل لكم أيها الناس جميع ما اشتملت عليه الأرض في ظاهرها وباطنها، من حيوان وجمادات ومعادن وزروع وثمار، لتنتفعوا بها في مصالحكم المختلفة، وذلّل لكم السفن جارية في البحار، لنقل الركاب والبضائع والأشياء بإذن الله، ويحفظ السموات من سقوطها على الأرض إلا بإذنه وأمره، ويحدث ذلك يوم القيامة حيث تتساقط الكواكب والنجوم، وتتصدع السموات وتزول، إن الله تعالى رؤف رحيم بالناس على ظلمهم، لا يعاملهم بما يعملون.
5-
الإحياء والإماتة في ثلاث مراتب منصوص عليها في غير هذه الآية، فكنتم أيها الناس أمواتا، ثم أحياكم بالولادة، ثم يميتكم عند انتهاء الأجل، ثم يحييكم يوم القيامة. وقد عبر الله في هذه الآية أولا بلفظ الماضي أَحْياكُمْ لأن الإحياء قد تم وحدث، ثم عبّر بلفظ المضارع ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ للدلالة على المستقبل وهو الموت في الدنيا، ثم البعث والحياة الجديدة في الآخرة. إن الإنسان جحود نعم الله تعالى، فلم يقدّر تلك النعم، ولم يهتد بها إلى عبادة الله وتوحيده، وهجر ما عداه من الآلهة المزعومة.
وقد تكررت الآيات الدالة على هذه المراحل، مثل قوله تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) [البقرة:
2/ 28] . إن المرور بهذه المراتب الثلاث مؤذن بعوامل التغير، وأن الله قديم أزلي لا يتغير، وأنه هو القادر الذي جعل الإنسان يمر في هذه المراحل، حتى يظل مرتبطا بالإله الخالق، ويفوض الأمر إليه.