الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رزقهم يأتي على أكمل الوجوه، وكثير من العرب كان يجد الطعام المرة في اليوم، وهي غايته، وكان أكثر عيشهم من شجر البرية، ومن الحيوان ونحوه.
تلك الجنة- والإشارة بتلك للتعظيم- بهذه الأوصاف الرائعة: هي التي يورثها الله الكريم عباده المتقين، وهم المطيعون لله عز وجل في السراء والضراء، أي نجعلها حقا خالصا لهم كملك الميراث، كما قال الله تعالى في آية أخرى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ إلى أن قال: أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (11)[المؤمنون: 23/ 1- 11] .
والخلاصة: إن تخصيص الجنة للمتقين الصالحين الأبرار هو بمثابة الميراث، حيث يتملك الورثة ما يؤول إليهم من التركة. والاختصاص بالشيء هو أغلى ما يتوقعه الإنسان.
الوحي والأمر بيد الله
الله تعالى صاحب الإرادة والمشيئة المطلقة، وبيده الأمر كله، بعلم الماضي والحاضر والمستقبل، ويفعل عادة ما فيه الخير والمصلحة للعباد، ولا يملك أحد من البشر إنزال الوحي أو تنزيله، وإنما تنزل الوحي بأمر الله سبحانه، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، يأمر الملائكة بالأمر المعين فيفعلونه، وليس للملائكة سلطان في تنزيل شيء، فهم يعملون وقتا بعد وقت، بما يريد الله ويشاء، على ما تقتضيه حكمته، وهذا موضوع الآيات التالية، قال الله تعالى:
[سورة مريم (19) : الآيات 64 الى 65]
وَما نَتَنَزَّلُ إِلَاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)
[مريم:
19/ 64- 65] .
أخرج أحمد والبخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا، فنزلت: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: أبطأ جبريل في النزول أربعين، فذكر نحوه.
هذه الآيات تبين سبب تأخر الوحي أحيانا على النبي صلى الله عليه وسلم، جاءت بطريق الحكاية على لسان الملائكة. فبعد أن استبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم نزول جبريل عليه السلام، أمر الله جبريل أن يقول: وما نتنزل نحن الملائكة بالوحي على الأنبياء والرسل، إلا بأمر الله بالتنزيل، على وفق الحكمة والمصلحة، وخير العباد في الدنيا والآخرة. ولا يتنزل القرآن إلا بأمر الله تبارك وتعالى في الأوقات التي يقدرها.
إن لله تعالى التدبير والتصرف في الكون، وأمر الدنيا والآخرة، وما بين ذلك من الجهات والأماكن والأزمنة الماضية والحاضرة والمستقبلة. فلا يقدم أحد من الملائكة على أمر إلا بإذن الله. والتنزل هنا: النزول على مهل، وقتا بعد وقت، وقوله سبحانه: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ خطاب جماعة لواحد، وذلك لا يليق إلا بالملائكة الذين ينزلون على الرسل. كأن جبريل عنى نفسه والملائكة.
وما كان ربك يا محمد ناسيا لك، وإن تأخر عنك الوحي، ولا ينسى الله شيئا، ولا يغفل عن شيء، وإنما يقدم ويؤخر لما يراه من الحكمة. وهذه الآية تشبه مطلع سورة الضحى: وَالضُّحى (1) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (2) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (3) [الضحى:
93/ 1- 3] .
روى ابن المنذر وغيره عن أبي الدرداء مرفوعا قال: «ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرمه فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئا» ثم تلا هذه الآية: وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا
وكيف ينسى الله شيئا، فهو سبحانه تام العلم، مالك كل شيء، فهو خالق
السماوات والأرض ومالكهما وما بينهما، وهو المدبر والحاكم والمتصرف الذي لا معقّب لحكمه، فاثبت أيها النبي وكل مؤمن على عبادة ربك، واصطبر على العبادة والطاعة، وما فيهما من المتاعب والشدائد، ولا تنصرف عنها بسبب إبطاء الوحي، هل تعلم للرب مثلا أو شبيها، يكون أهلا للعبادة؟! فهو سبحانه الخالق والمدبر والرازق، والمنعم بأصول النعم وفروعها، من خلق الأجسام والحياة والعقل، وما يحتاجه الإنسان وغيره من الحاجات الدائمة والمؤقتة والمتكررة، فإنه لا يقدر على ذلك أحد سوى الله سبحانه، ولا يتمكن أحد من تلبية الحاجات كلها إلا من كان دائم الذّكر والعلم، من غير نسيان شيء أو تضييع صالح كل شيء، وكفى بقوله تعالى:
وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا أي لم يكن الله ممن يلحقه نسيان لإرسال أو تنزيل شيء على النبي في وقت المصلحة إليه، فإنما ذلك عن قدر له، أي فلا تطلب يا محمد الزيادة أكثر مما شاء الله.
والمراد بقوله سبحانه من نفي العلم: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا نفي الشريك على أي وجه، والاستفهام للإنكار، وهل بمعنى (لا) أي لا تعلم.
قال ابن عباس: ليس أحد يسمى (الرحمن) غيره تبارك وتعالى وتقدس اسمه.
والخلاصة: إن الله تعالى نفى النسيان عن نفسه مطلقا، أما الترك فلا ينتفي مطلقا، ألا ترى قوله تبارك وتعالى: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ [البقرة: 2/ 17]، وقوله سبحانه: وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ [الكهف: 18/ 99] .
وقول الله سبحانه: فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ أمر بحمل تكاليف الشرع وإشعار بما فيها من صعوبة، كالجهاد والحج والصدقات، فهي شريعة تحتاج إلى اصطبار، أعاننا الله عليها.