الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حقيقة عيسى عليه السلام
تتفاوت أنظار الناس عادة في العظماء والقادة، فمنهم المبالغ الخارج عن الحق والحقيقة، إما بحسن نية أو بسوء نية، أو بغباء وجهل، ومنهم المعتدل في كلامه وإصدار أحكامه، وهذا شأن العلماء والعقلاء وأصحاب النظر السوي، حتى لو كانوا من العوام. ومن بين أولئك السادة الكبار الذين اختلف الناس في شأنهم عيسى عليه السلام، وها هو القول الحق فيه، من غير خروج على الواقع والمألوف، ويتبين ذلك في الآيات التالية:
[سورة مريم (19) : الآيات 34 الى 40]
ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (38)
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (39) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (40)
«1» «2» «3» «4» »
[مريم: 19/ 34- 40] .
المعنى: قل يا محمد لمعاصريك من أهل الكتاب: ذلك الذي هذه قصته المتصف بالأوصاف المذكورة في الآيات السابقة، هو عيسى ابن مريم، والكلام فيه هو القول الحق والوصف الصادق الذي لا شك فيه، وبه تتبين حقيقة عيسى عليه السلام، فهو بشر، لا إله، ولا ابن الإله، ولا ثالث ثلاثة، كما جاء في آية أخرى: يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ [النساء: 4/ 171] .
ولا يصح ولا يستقيم عقلا وفعلا أن يكون لله ولد، لأنه إله، لا حاجة له
(1) أي يشكون ويختلفون.
(2)
أراد إحداثه.
(3)
أي فهلاك وعذاب.
(4)
أي ما أسمعهم وأبصرهم!!
(5)
الندامة الشديدة.
للولد، وهو حي أبدا لا يموت، تنزه وتقدس الله عن مقالتهم هذه، وعن كل نقص من اتخاذ الولد وغيره، إنه إذا أراد شيئا أوجده فورا، فإنه يأمر به، فيصير كما يشاء، بقوله:(كن) فيكون. فمن كان بصفة الألوهية الخالق المبدع، كيف يتوهم أن يكون له ولد؟ لأن ذلك من أمارات النقص والحاجة.
ولقد أمر عيسى عليه السلام أتباعه وقومه وهو في المهد بقوله: إن الله ربي وربّكم، فاعبدوه وحده لا شريك له، وهذا الذي جئتكم به عن الله هو الطريق القويم، الذي لا اعوجاج فيه، ولا يضل سالكه، من اتبعه رشد وهدي، ومن خالفه ضل وغوى.
ثم أخبر الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عما آل إليه أمر عيسى عليه السلام، وهو أن بني إسرائيل اختلفوا أحزابا، أي فرقا، في عيسى، بعد بيان أمره وإيضاح حاله، وأنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه. فويل، أي هلاك وعذاب شديد للذين كفروا بحقيقة عيسى، من مشهد يوم عظيم، هو مشهد يوم القيامة، حيث يجتمع الناس فيه، فيهلك الكافر الظالم، وينجو المؤمن العادل في نظرته وعقيدته.
وفي مشهد القيامة، ما أقوى سمع الكفار وأشد بصرهم، يوم يأتون إلى ربهم للحساب والجزاء، ويرون ما يصنع بهم من العذاب، فإن إعراضهم يومئذ يزول، ويقلبون على الحقيقة، حيث لا ينفعهم الإقبال عليها، وهم في الدنيا صم عمي، إذ لا ينفعهم النظر مع إعراضهم، ولكنّ هؤلاء الظالمين الكافرين يعرفون الحق في الآخرة، أما في الدنيا فهم في ضلال مبين، أي في متاهة واضحة وجهل مسلك بيّن في نفسه، وإن لم يتبين لهم.
ثم أمر الله نبيه بإنذار الكفار لهدايتهم وتحقيق مصلحتهم، ومفاد الإنذار: أنذر أيها الرسول الخلائق من المشركين وغيرهم، يوم الحسرة، أي التحسر فيه، فالمسيء