الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلقي لتبليغ الدين، والهداية إلى التوحيد والشرع القويم، فقوله تعالى: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) معناه: جعلتك موضع الصنيعة ومقر الإجمال والإحسان وقوله لِنَفْسِي إضافة تشريف. وعبر بالنفس عن شدة القرب وقوة الاختصاص.
هذه نعم عظيمة أنعم الله بها على موسى عليه السلام قبل البعثة النبوية، وهي كلها إعداد له لتحمل الرسالة، والقيام بالدعوة إلى توحيد الله، وعبادته، وشكره، وإقرار شرائعه في العالمين.
ذهاب موسى وهارون إلى فرعون
لقد كان تكليف موسى وهارون عليهما السلام بالذهاب إلى فرعون لدعوته إلى توحيد الله وعبادته تكليفا شاقا صعبا، تكتنفه احتمالات كثيرة كالتعرض للقتل والتعذيب، أو الطرد والتخويف، وقلّ من يجرأ على ذلك إلا إذا كان نبيا رسولا، ذا جرأة وشجاعة منقطعة النظير، فإن فرعون جبار طاغية يدعي الألوهية، وموسى شخص ضعيف لا يملك قوة كبيرة ولا حماية بشرية. ولكن أقسى الصعاب تهون أمام قدرة الله وتدبيره، فتم المراد، كما جاء في الآيات الآتية:
[سورة طه (20) : الآيات 42 الى 48]
اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (45) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (46)
فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48)
«1» «2» «3» [طه: 20/ 42- 48] .
(1) لا تفترا في تبليغ رسالتي. [.....]
(2)
يعجل علينا بالعقوبة.
(3)
يزداد طغيانا وعتوا.
هذه جملة من الأوامر والنواهي الصادرة من الله لموسى وأخيه هارون. مضمونها:
اذهب يا موسى مع أخيك إلى فرعون وقومه بآياتي ومعجزاتي الدالة على وجودي وقدرتي ووحدانيتي، التي جعلتها لك آية وعلامة على النبوة، وهي الآيات التسع التي أنزلت عليك، ولا تضعفا ولا تفترا أو تبطئا عن ذكر الله، ولا عن تبليغ الرسالة إلى فرعون وملئه. وخاطب موسى وحده بقوله: اذْهَبْ أَنْتَ تشريفا له. وآياتي:
علاماتي التي أعطيتكما من معجزة وآية وحي وأمر ونهي كالتوراة.
اذهبا إلى فرعون، وأبطلا ألوهيته بالحجة والبرهان، لأنه تجاوز الحد في الكفر والتمرد والطغيان، والتجبر والعصيان، وبدأ بفرعون لأنه الحاكم الذي إذا آمن، تبعه الناس.
فقولا له كلاما لينا رقيقا لا خشونة فيه، لعله يتذكر حقيقته أو يخشى ربه، وهذا الأسلوب من اللين واللطف: هو شأن الرسول الداعية الناجح، حتى لا ينفر فرعون وأمثاله من دعوة موسى إلى تمجيد الله وتوحيده، فإن العبارة اللطيفة أجلب للمراد.
فأجاب موسى وهارون بقولهما: يا ربنا، إننا نخاف من فرعون وبطشه إن دعوناه لتوحيدك وعبادتك، أن يشتط في الغضب ويمعن في عقوبتنا أو يتجاوز الحد في التجبر والطغيان، والأذى والاعتداء، فقوله: أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا معناه: أن يحمله حامل على التسرع إلينا بمكروه.
قال الله لموسى وهارون: لا تخافا من فرعون، فإنني معكما بالنصر والتأييد، والحفظ والعون، وإنني سميع لما يجري بينكما وبينه، ولست بغافل عنكما، وأرى كل ما يقع، فأصرف شره عنكما، فقوله تعالى: إِنَّنِي مَعَكُما أي بالنصر والمعونة والقدرة على فرعون. وأَسْمَعُ وَأَرى عبارة عن الإدراك الذي لا تخفى معه خافية، تبارك الله رب العالمين، والمراد أن الله تعالى حث موسى وهارون على التبليغ بجرأة وحكمة.
فأتيا فرعون، فأعلماه أنكما رسولان إليه، وقولا له: إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ وهذا إشارة إلى الرب الحقيقي وهو الله، والتحقير لفرعون، إذ كان يدعي الربوبية بما لا معنى له.
ثم أمر الله موسى وهارون بدعوة فرعون إلى أن يبعث معهما بني إسرائيل، ويخرجهم من خدمة القبط، أي أطلق سراحهم، وخلّ عنهم، ولا تعذبهم بتذبيح أبنائهم، واستحياء نسائهم، وتكليفهم ما لا يطيقون من السخرة في أعمال البناء والحفر ونقل الأحجار. وتعذيب بني إسرائيل كان ذبح أولادهم وإذلالهم.
لقد كانت دعوة موسى وهارون لفرعون كاملة، تضمنت شيئين: الدعوة إلى الإيمان بالله ووحدانيته، وإرسال بني إسرائيل. والظاهر أن رسالة موسى إلى فرعون ليست على حد إرساله إلى بني إسرائيل: وَالسَّلامُ عَلى على بمعنى اللام، أي السلامة لمن اتبع الهدى.
لقد أتيناك بآية على رسالتنا وهي العصا واليد، والسلامة والتحية والأمن من سخط الله وعذابه على من اتبع هدى ربه، فآمن برسله، واسترشد بآياته الداعية إلى الحق والخير وترك الظلم والضلال. وفي هذا توبيخ لفرعون وقومه، وإشعار بأن فرعون لم يكن مهتديا إلى الصواب.
إننا قد أوحي إلينا من ربنا: أن العذاب الحق الخالص لمن كذب بآيات الله، وبما ندعو إليه من توحيده، وتولى عن طاعته، وذلك كما جاء في آية أخرى: فَأَمَّا مَنْ طَغى (37) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (39)[النازعات: 79/ 37- 39] . وقوله تعالى: فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (14) لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) [الليل:
92/ 14- 16] .
هذه المهام في رسالة موسى وأخيه هارون إلى فرعون وقومه، في غاية الوسطية