الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مساوئ القول بتعدد الآلهة
إن أخطر آفة أصيب بها العقل البشري: هي القول بتعدد الآلهة، فهي فضلا عن أنها انحدار في مستوى التفكير الإنساني، وسذاجة في التصور، وفساد في الاعتقاد، هي أيضا ذات مساوئ خطيرة في نظام الكون، سمائه وأرضه، لأن تعدد السلطات يؤدي عادة إلى الخلاف والمنازعة، ويترتب على الخلاف والنزاع فساد نظام الأرض والسماء، واضطراب النواميس الكونية والقوانين المحكمة التي بها يصلح النظام الكوني، وقد نبّه القرآن العظيم لمساوئ هذه الظاهرة الوثنية الخطيرة في الآيات الآتية:
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 21 الى 24]
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَاّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)
«1» «2» [الأنبياء: 21/ 21- 24] .
هذه الآيات تفنيد لمزاعم المشركين القائلين بتعدد الآلهة، من غير دليل ولا برهان، وتعرية لمواقفهم المضطربة، وإظهار لحقيقة أمرهم، لقد وقفهم الله تعالى على الحقيقة الماثلة في أذهانهم وعلى ضعف الموقف الذي وقفوه، وهو: هل اتخذوا آلهة يحيون ويخترعون؟ الحق أنه ليست آلهتهم كذلك، فهي غير آلهة إذن، لأن من صفة الإله: القدرة على الإحياء والإماتة، وآلهتهم لا يقدرون على شيء من ذلك، فكيف جعلوها لله ندا وعبدوها معه؟! وهذا تذكير بخواص الألوهية التي منها إحياء الموتى من قبورهم، فإن المشركين بادعائهم الألوهية للأصنام ونحوها، يثبتون لها تلك الصفة، ووصف تلك الآلهة
(1) بمعنى بل مع ألف الاستفهام.
(2)
أي يحيون الموتى من قبورهم.
بأنها من الأرض: إشارة إلى أنها من الأصنام المعبودة في الأرض، وهذا تهكم بهم، وتوبيخ، وتجهيل لهم.
ثم أبان الله تعالى مساوئ القول بتعدد الآلهة، فإنها لو وجدت لبغى بعضهم على بعض، وذهب كل إله بما خلق، فأحدهم يرى مثلا تحريك جرم سماوي، والآخر يرى تسكينه، فمحال أن تتم الإرادتان، ومحال ألا تتما جميعا، فلو كان في السماوات والأرض آلهة غير الله لخربتا وفسد نظامهما. أما إن اتفقا في التصرف في الكون، فلا داعي للتعدد حينئذ، لأنه يؤدي إلى وجود الخلق والأمر والمقدورات من خالقين قادرين على مخلوق واحد، وهذا محال، لأنه يجعل وقوع المقدور بإرادة الاثنين، لا بإرادة واحد منهما، وهذا لا يصح، لأن لكل منهما إرادة مستقلة بالتأثير، فلا يعقل وقوع مخلوق لخالقين.
لذا تنزه الله تعالى وتقدس عن الذي يفترون ويقولون: إن لله ولدا أو شريكا، وتعاظم عما يأفكون تعاظما كبيرا.
وتأكيدا لهذا التنزيه، لا يسأل الله تعالى عن أفعاله، فهو الحاكم الذي لا معقّب لحكمه، ولا يعترض عليه أحد، لعظمته وجلاله وكبريائه، وإحاطة علمه وروعة حكمته وشمولها، وإنما يسأل خلقه عن أفعالهم، ما عملوا، وما سيعملون.
أيصح بعد هذه الأدلة أن يتخذوا آلهة من دون الله، ويصفوا الله بأن له شريكا، فإن ادعوا الشريك، فليأتوا ببرهانهم على ذلك، إما من العقل وإما من الوحي، ولن يجدوا كتابا من كتب الأولين كالإنجيل والتوراة إلا وفيه تقرير لتوحيد الله وتنزيهه عن الشركاء، كما أن العقل كما تقدم يرفض وجود إلهين.
هذا الوحي الوارد بتقرير توحيد الله ونفي الشركاء عنه، هو ما نزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء السابقين، فهو ذكر، أي عظة للذين مع النبي، أي أمته،