الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة الرّعد
أدلّة قدرة الله تعالى
تعدّدت البراهين الدّالة على قدرة الله تعالى من إنزال القرآن المجيد، وإبداع السماوات والأرض، وتدبير الخلق، وتسخير الشمس والقمر، وإيجاد أنواع الجبال والأشجار والزروع والثمار وكروم العنب وبساتين النّخيل ذات الطعوم والألوان المختلفة. وهذه أدلّة حسّية مشاهدة تثبت القدرة الإلهية لمن كان له عقل أو فكر أو سمع أو بصر، أشار إليها القرآن في آيات ومناسبات متعددة، كما في مطلع سورة الرّعد المدنيّة:
[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]
بسم الله الرحمن الرحيم
المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (1) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)
«1» «2» «3» »
«5» «6» «7» [الرّعد: 13/ 1- 4] .
(1) بغير دعائم.
(2)
بسطها في مرأى العين.
(3)
جبالا ثوابت.
(4)
نوعين.
(5)
يغطي الليل ضوء النهار.
(6)
أي نخلات من أصل واحد، أو من أصول مختلفة، متماثلات وغير متماثلات.
(7)
الثّمر والحبّ. [.....]
افتتحت هذه السورة كسورة البقرة بأحرف هجائية للتّنبيه والتّحدي والدّلالة على إعجاز القرآن المتكوّن من حروف هجائية هي مادّة لغة العرب التي يتفاخرون أنهم سادة البيان فيها. وآيات هذه السورة وآيات القرآن كلها آيات عظام القدر والشّأن، أنزلها الله تعالى على قلب نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، وهي حقّ لا شكّ فيه، تمثّل جميع الشريعة القرآنية، ولكن أكثر الناس لا يصدّقون بالمنزل إليك من ربّك، ولا يقدرون ما في القرآن من سمو التشريع والأحكام، ورعاية المصالح المناسبة لكل عصر وزمان. وهذا إخبار واقعي عن علم إلهي غيبي دالّ على إعجاز القرآن، ينبئ عن أحوال الناس.
وإنزال القرآن مظهر من مظاهر القدرة الإلهية.
ومن مظاهر قدرة الله تعالى وعظيم سلطانه: أنه سبحانه هو الذي خلق السماوات بغير أعمدة نشاهدها بالعين المجردة، ثم استوى الله على أعظم المخلوقات وهو العرش استواء يليق به، وسخّر أي ذلّل الشمس والقمر، وجعلهما طائعين لما أريد منهما من المنافع للناس، من دوران وضياء، وظهور واختفاء، وكل منهما كغيرهما من الكواكب السّيارة يجري لأجل مسمى، أي لمدة معينة، هي نهاية الدنيا ومجيء القيامة، أو أن الشمس تتم دورتها في خلال سنة، والقمر في أثناء الشهر، قال الله تعالى: وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ [الحجّ: 22/ 65] .
يدبّر الله أمر الكون ويصرّفه على وفق إرادته ومقتضى حكمته، فيحيي ويميت، ويعزّ ويذلّ، ويغني ويفقر، ويهيّئ الأسباب للنتائج والمسبّبات، يفصّل الآيات، أي يبيّن الدلائل الدّالة على وجوده تعالى، ووحدانيته، وقدرته، وحكمته وعلمه ورحمته، رجاء أن تتيقّنوا أيها الناس، أو لتعلموا علم اليقين أن القرآن حقّ، وأن الله قادر على البعث والإعادة، والحساب والجزاء يوم القيامة. فالذي قدر على خلق السماوات والأرض وما بينهما، ودبّر نظام الكون والحياة وشؤون الخلق بدقّة
فائقة، قادر على إحياء الموتى، وإعادة الأرواح إلى أجسادها مرة أخرى، وحساب أصحابها.
والله تعالى أيضا هو الذي بسط الأرض وفرشها ومهّدها، وجعل فيها رواسي، أي جبالا شامخة، وأجرى فيها الأنهار والجداول والعيون، لسقاية ما فيها من الثمرات المختلفة الألوان والأشكال، والطعوم والرّوائح. وجعل في كل صنف من أصناف الثمار زوجين اثنين، أي ذكرا وأنثى، ليتم التّلاقح وحمل الثمرات، يغطّي الله ضوء النهار بظلمة الليل، ويطرد ظلام الليل بنور النهار، كما في آية أخرى:
وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (10) وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (11)[النّبأ: 78/ 9- 11] ، إن في مخلوقات الله، وعجائب خلقه لدلائل وبراهين لمن يتفكّر فيها، ويتأمّل في عظمتها، فيستدلّ بها على وجود الله تعالى، وقدرته، وكمال علمه وإرادته.
ومن الآيات الأرضية أجزاء فيها يجاور بعضها بعضا، ويقترب بعضها من بعض، تربتها واحدة، وماؤها واحد، وهي مع تجاورها مختلفة متغايرة الخواص، فيها بساتين الأعناب، والزروع المختلفة ذات الحبوب المتنوعة للإنسان والحيوان، وفيها أنواع النّخيل المتماثلات وغير المتماثلات صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يسقى كله بماء واحد، ويتغذى بغذاء واحد، ويتفاضل بعضها على بعض في الأشكال والطّعوم ومذاق الأكل، إن في هذا التّفاوت مع وجود مصادر التّشابه لأدلّة باهرة على قدرة الله، لقوم يتدبّرون ويفكّرون فيها ويعقلون أنّ لها خالقا أوجدها ورتّبها. والتّفضيل في الأكل يشمل الأذواق والألوان والملمس وغير ذلك.