الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي حديث آخر عند الشيخين والترمذي عن معاذ، حيث كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال له:«يا معاذ، تدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوا الله، ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا. قلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتّكلوا» .
القبول لأهل الإيمان والصلاح
إن أساس الرضا والقبول، والود والمحبة هو شيء واحد، هو الطاعة، فالطاعة أساس لكل علاقة طيبة، كعلاقة الآباء بالأبناء، وعلاقة الأبناء بالوالدين، وعلاقة الزوجين، وعلاقة السادة والخدم، والعلاقات الاجتماعية. وكذلك تكون الطاعة من باب أولى مجلبة لرضا الله تعالى، وقبول الأعمال، وعقد أواصر الود والمحبة بين الله وعباده. ويخطئ كثير من الناس حين يزعمون: أن الله يحبهم أو أنهم يحبون الله ورسوله، ثم تجدهم مبتعدين عن ساحة الطاعة لأوامر الله والرسول، فكيف يصح هذا عقلا وشرعا؟ هذا ما عبرت عنه الآيات الكريمة:
[سورة مريم (19) : الآيات 96 الى 98]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (98)
«1»
(1) مودة ومحبة.
«1» «2» «3» «4» [مريم: 19/ 96- 98] .
هذه خاتمة سورة مريم التي ذكر فيها قصص عدد من كبار الأنبياء المشهورين كزكريا ويحيى وعيسى وموسى وهارون عليهم السلام، وذكر فيها أحوال الكفار والمشركين في الدنيا والآخرة، وتوّجت هذه السورة ببيان أحوال المؤمنين الصالحين، وهي ما يأتي:
إن الذين آمنوا وصدقوا بالله ورسله، وبخاتم النبيين محمد عليهم الصلاة والسلام، وعملوا صالح الأعمال: من أداء الفرائض والتطوعات، وأحلوا الحلال، وحرموا الحرام، وفعلوا ما يرضي الله تعالى، سيغرس الله محبتهم في قلوب الصالحين، ويضع القبول في النفوس لمن يحبه الله من عباده.
روى أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أحب الله عبدا، نادى جبريل: إني قد أحببت فلانا فأحبه، فينادي في السماء، ثم ينزل له المحبة في أهل الأرض. وإذا أبغض الله عبدا نادى جبريل: إني قد أبغضت فلانا، فينادي في السماء، ثم ينزل له البغضاء في الأرض» .
التقت الآية والحديث في غرس أصل الود والمحبة في القلوب في الأرض والسماء لأولئك المؤمنين أهل الصلاح والتقوى والعمل الصالح. وطريق الصلاح والاستقامة: هو اتباع منهج القرآن وحكمه، ومعرفة ما في القرآن من آداب، وأحكام وشرائع: سهل يسير، لسهولة تلاوته وفهم مضمونه. وقد يسر الله القرآن للنبي بإنزاله على قلبه بلغة قومه: وهي اللغة العربية، وفصّله وسهّله، لتبشير المتقين
(1) أي شديد الخصومة والجدال بالباطل.
(2)
أمة.
(3)
تجد.
(4)
أي صوتا خفيا. [.....]
المستجيبين لله في أمره ونهيه، والمصدقين لرسوله، بأن لهم الجنة بالطاعة والخضوع، وللقرآن مهمة أخرى: وهي إنذار القوم الألداء، المتميزين بشدة الخصومة والجدل بالباطل، المنحرفين عن جادة الحق، الوالغين في مستنقع الباطل، بأن لهم النار بالكفر والعصيان. وبكلمة موجزة: إنهم قوم لدّ، أي فجرة ظلمة،
جاء في حديث عائشة عند البخاري: «أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم»
وهو الذي يخاصمك ويجادلك بالباطل.
ومن أجل حمل الناس على طاعة الله ورسوله، أخبر الله تعالى عما فعل بالأقوام الظالمين، الذين عصوا الله والرسل، واتبعوا أهواءهم، فكثيرا ما أهلك الله قبل مشركي العرب من الأمم والجماعات من الناس لكفرهم بآيات الله وتكذيب رسله، فهل تجد أو ترى منهم أحدا أو تسمع لهم صوتا بعد هذا الإهلاك. وقوله سبحانه «من قرن» القرن: الأمة. والركز: الصوت الخفي دون نطق بحروف ولا فم، وإنما هو صوت الحركات وخشفها، والخشف: الحركة والحس.
إن وصف الله تعالى معارضي القرآن الكريم بأنهم قوم لدّ: أشداء في الخصومة والجدال بالباطل، يدل على غاية السوء والإنكار، فهذه صفة سوء بحكم الشرع والحق، لذا قسا الله عليهم بالوعيد، والتمثيل بإهلاك من كان أشدّ منهم، وألدّ وأعظم، قدر ما كان يسرهم في أنفسهم من الوصف بكلمة «لدّ» فإن العرب بجهالتها وعتوها وكفرها كانت تتمدح باللّدد، وتراه إدراكا وشهامة، وهو في الواقع قسوة وهمجية، فمثّل الله لهم بمثل ليعتبروا ويتعظوا بإهلاك من قبلهم، ليحتقروا أنفسهم، ويتبين صغر شأنهم.
إن إهلاك من قبلهم من العتاة الأشداء كان إبادة تامة، عبّر عنها القرآن الكريم بأنهم لم يبق لأحد منهم كلام أو تصويت بوجه من الوجوه، فهل يعتبر كفار قريش وغيرهم إذا بقوا على معارضة النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته ورسالته؟!