الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة النّمل
مقاصد القرآن الكريم
إن جوهر رسالة القرآن العظيم إصلاح الناس وهدايتهم وإسعادهم، وتبشيرهم بجنان الخلد إن استقاموا على أمر الله، وإنذارهم سوء العذاب، والخسران إن انحرفوا عن جادة الهدى، وأنكروا وجود يوم القيامة. ومصدر القرآن المجيد: هو الله الحكيم العليم الذي يضع الأمور في نصابها وموضعها الصحيح، ويشرع للناس ما يتفق مع علمه الشامل بأحوالهم وطبائعهم، ناقلا لهم من الأدنى إلى الأعلى، وآخذا بأيديهم من وهاد الشّرّ والفساد إلى قمم الخير والصلاح. وهذا ما دوّنته الآيات الكريمة التالية في مطلع سورة النّمل المكّية:
[سورة النمل (27) : الآيات 1 الى 6]
بسم الله الرحمن الرحيم
طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (1) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4)
أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)
«1» [النّمل: 27/ 1- 6] .
ابتدأت هذه السورة كبعض السّور الأخرى بالحروف المقطعة الأبجدية وهي طس للدلالة على أدوات أو حروف تكوين القرآن، وأنه بلغة العرب لتحدّيهم
(1) أي يتردّدون ويتحيّرون فيها.
بالإتيان بمثله، وإثبات كونه من عند الله سبحانه، وللتّنبيه إلى مضمون هذه السورة، وإذا ذكرت هذه الحروف يعقبها عادة الكلام عن القرآن ودلالاته ومقاصده. فهذه الآيات المنزلة على النّبي صلى الله عليه وسلم هي آيات القرآن وآيات الكتاب الواضح، والقرآن لأنه اجتمع وجمع في النهاية، والكتاب لأنه دوّن أو سطّر وكتب، وعطف الكتاب على القرآن للدلالة على صفتي الكلام المنزل من عند الله، ثم أبان الله تعالى ليكون هذا القرآن هاديا للناس من الضلالة إلى النور، ومبشّرا المؤمنين الطائعين بالجنّة، وبرحمة الله ورضوانه.
ثم وصف الله تعالى المؤمنين بالأوصاف الخليقة بهم، فهم الذين يقيمون الصلاة، أي يؤدّونها كاملة الأوصاف من أداء أركانها وشروطها، واستحضار عظمة الله في أثنائها، وفي مناجاة الحقّ بما يتلى فيها، ويذكر الله فيها متّصفا بالعظمة والجلال من خلال تكبيره وتسبيحه في الركوع والسجود، وإدامة الصلاة على وجهها المقرّر شرعا، فتكون الصلاة وسيلة لمناجاة الله وعقد الصّلة به.
والمؤمنون أيضا يؤدّون الزكاة المفروضة عليهم، والتي تطهّرهم من النقائص، وتحملهم على ملازمة مكارم الأخلاق. وهم كذلك يوقنون على وجه الجزم واليقين بالدار الآخرة والبعث بعد الموت، والجزاء على الأعمال خيرها وشرها.
وأما الذين يكذّبون بالآخرة، ويستبعدون وقوعها بعد الموت في أجلها المتعلّق علمه بالله وحده، فيزين الله لهم أعمالهم، أي يحسّنها لهم، فهم غرقى في الضّلالة، يتيهون ويتردّدون في ضلالهم، جزاء على ما كذّبوا به من وقوع القيامة. وتزيين الأعمال: تحبيب الشّرك إليهم، وخلقه في نفوسهم، واكتسابهم الكفر.
أولئك المكذّبون الضّالّون لهم جزاء شديد، وهو العذاب السيئ، في الدنيا بالهزيمة والإذلال، وفي الآخرة بالخسارة الشديدة، لأن عذابهم فيها دائم لا ينقطع، وخسرانهم في الآخرة أشدّ من خسرانهم في الدنيا.