الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة هود
عبادة الله تعالى
في أوائل سورة هود المكّية ركّزت الآيات على إحكام القرآن الكريم، فهو لا يشتمل على أي نقض أو تناقض، كما أمرت بعبادة الله وحده باعتبار أن العبادة هي المقصود الديني الأعظم من خلق الإنسان كما في قوله تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)[الذّاريات: 51/ 56] . وقوله سبحانه: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)[البيّنة: 98/ 5] .
والعبادة الخالصة لله تعالى تتطلب الاستغفار والتوبة من الذنوب السابقة وعلى رأسها الكفر، قال الله تعالى مبيّنا هذه الأصول المبدئية والتكليفية في مطلع سورة هود المكّية:
[سورة هود (11) : الآيات 1 الى 4]
بسم الله الرحمن الرحيم
الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)
«1» «2» [هود: 11/ 1- 4] .
افتتحت سورة هود بالحروف المقطعة الر للتنبيه وتحدّي العرب بأن يأتوا بمثل القرآن، ما دام مكوّنا من حروف لغتهم التي ينطقون بها ويكتبون بها. ثم قررت هذه
(1) ذات نظم محكم.
(2)
فرّقت في التنزيل بحسب المناسبات والأحوال.
الآيات أصول الدين: وهي إحكام القرآن وتفصيله، والدعوة إلى عبادة الله وتوحيده والإنابة إليه، والإيمان بالبعث والجزاء في عالم الآخرة.
والمعنى: هذا القرآن كتاب عظيم الشأن، جليل القدر، محكم النظم والمعنى، لا خلل فيه ولا نقص، فهو كامل الصورة والمبنى والمعنى لأنه صادر من عند الله الحكيم في أقواله وأفعاله، الخبير بحوائج عباده، وبعواقب الأمور.
نزل هذا الكتاب بألا تعبدوا غير الله، ولا تشركوا به شيئا، فالعبادة لله تحقق معنى العبودية والانقياد لله تعالى، مع قيامها على الحبّ، لا على القهر والقسر، وإنني أنا رسول الله مرسل من عند الله، نذير من العذاب إن عصيتموه أو خالفتموه، وبشير مبشّر بالثواب إن أطعتموه. وفي هذا تبيان مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم ووظيفته وهي الإنذار لمن عصاه بالنّار، والتّبشير لمن أطاعه بالجنة.
ومن مهامي أنا النّبي المرسل أن آمركم بالاستغفار من الذنوب السابقة، وهي الشّرك والكفر والمعاصي والمنكرات، وأن تتوبوا منها إلى الله عز وجل بالإقلاع عنها وبالنّدم على ما مضى، والعزم على عدم العودة إلى أي ذنب في المستقبل، فإن استغفرتم وندمتم، وتبتم من كفركم وشرككم، يمتّعكم الله متاعا حسنا في الدنيا، بإطالة النفع فيها بمنافع حسّية مرضية، وعيشة طيبة هنيّة، ورزق واسع متتابع، ويظل هذا التمتع الهني في الدنيا إلى أن يأتي الأجل المعين وهو الموت.
فالمطلوب للتّخلي عن سيرة الكفر السابقة أمران: الاستغفار من الشّرك، ثم التوبة المخلصة والرجوع إلى الله بالطاعة والعبادة، فتصفو النفس من آثار الشّرك، وتقبل على حياة الدنيوية لله عز وجل بالانقياد لأوامره وعبادته على وفق مراده.
وثمرة إطاعة الله لا تقتصر على توفير الحياة الهانئة السعيدة في الدنيا، وإنما تشمل أيضا في الآخرة إعطاء كل ذي فضل في العمل جزاء فضله وإحسانه، لا يبخس منه