الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة الفرقان
العبودية لله وحده
ليس في هذا الوجود إلا خالق ومخلوق، والخالق: هو المبدع منزل الشرائع، ومالك السموات والأرض، وخالق الأشياء كلها، والقادر على الضر والنفع، والإحياء والإماتة والبعث والنشور، والمخلوق: هو العاجز الموجود من قبل خالقه الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، فكان بأمس الحاجة إلى الخالق، وإذا كان الخالق وهو الله تعالى هو المالك الموجد الرازق، والمخلوق: هو المحتاج الفقير إلى ربه، كان لا بد له من الإذعان لخالقه في عبادته وحده لا شريك له، وأنه لا معبود بحق في الوجود سوى الله سبحانه، وهذا ما تقرره وتوضحه الآيات الآتية في مطلع سورة الفرقان المكية:
[سورة الفرقان (25) : الآيات 1 الى 3]
بسم الله الرحمن الرحيم
تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً (3)
«1» «2» «3» «4» [الفرقان: 25/ 1- 3] .
في فاتحة هذه السورة يصف الحق تعالى نفسه بالجلال والجمال والكمال، والتنزيه
(1) تمجد وتنزه وكثر خيره.
(2)
القرآن الفاصل بين الحق والباطل.
(3)
هيأه لما يصلح له.
(4)
بعثا بعد الموت.
عن صفات النقصان، في قوله سبحانه: تَبارَكَ ومعناه: تزايد خيره وكثرت بركاته ونعمه، وهو فعل مختص بالله تعالى، لم يستعمل في غيره. ومن بركات الله تعالى وأعظمها: إنزال كتابه الذي هو الفرقان الفارق بين الحق والباطل، على عبده محمد الرسول، ليكون نذيرا منذرا للعوالم كلها من إنس وجن بسوء المصير إذا خالفوه وعارضوه. وهو أيضا بشارة للمؤمنين الصالحين بحسن العاقبة، والخلود في الجنان إذا هم اتبعوه وعظموه وكلمة عَلى عَبْدِهِ: هو رسول الله. والفرقان: هو القرآن الذي فرق الله به بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والحضارة والفساد، ولِلْعالَمِينَ عام في كل إنسي وجني، وهو دليل على عالمية شريعة القرآن، وأنها تشمل جميع الأجناس البشرية، ولا تختص بالعرب وحدهم.
وهذه الآية رد على مقالات قريش حين قالوا: «إن القرآن افتراء محمد، وإنه ليس من عند الله» . ثم أكد الله تعالى انفراده بإنزال القرآن ببيان اتصافه بصفات الجلال والعظمة وهي أربع:
1-
إنه المالك المطلق لجميع ما في السموات والأرض، يملك الخلق والإيجاد والإعدام، والإحياء والإماتة، والأمر والنهي على منهج الحق وعلى وفق الحكمة والمصلحة. وهذا دليل وجود الله تعالى ووحدانيته في الخلق والتدبير وهي وحدانية الربوبية، ووحدانيته في وجوب العبادة لله وحده وهي وحدانية الألوهية.
2-
ليس لله ولد مطلقا، ولم يتخذ ولدا، لعدم حاجته إليه، فهو المنزّه عن الوالد والولد، والصاحبة، لاتصافه بالكمال، وتنزهه عن صفات النقصان.
3-
وليس لله أيضا شريك في ملكه وسلطانه، فهو وحده المعبود بحق، والجدير بالعبادة، والمتفرد باستحقاق العبودية، والتوجّه بهذه العبودية لله تعالى يشعر الإنسان بالعزة والكرامة، ويملأ النفس خوفا من المتصف بالعظمة والجلال، ويجعل الرجاء
والأمل بالله المعبود، فينشر في النفس الطمأنينة، ويزرع فيها الثقة، ويتوقع بها كامل الرحمة والفضل الإلهي بالنعمة الشاملة.
وهذا رد على فئة الثنوية القائلين بوجود إلهين اثنين: وهما النور والظلمة، وعبدة النجوم والكواكب من الصابئة، وعبدة الأوثان من مشركي العرب وغيرهم الذين عبدوا مع الله إلها آخر ليقربهم إليه زلفى.
4-
وخلق الله كل شيء، وهذا عام في كل مخلوق، وأوجده بتقدير معين، متناسب الأجزاء، وتقدير الأشياء: هو حدّها بالأمكنة والأزمان والمقادير، والمصلحة، والإتقان، فسبحان من أبدع الخلق بنظام متناسق متناسب بديع.
وأما الوثنيون وأمثالهم: فإنهم اتخذوا من دون الله آلهة مزعومة، لا تستحق الألوهية لأسباب أربعة: وهي أنها عاجزة عن خلق شيء، والإله بحق هو الخالق الموجد، وهي مخلوقة، والمخلوق محتاج، وهي لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا، والإله هو القادر على الضر والنفع، وهي لا تملك الإماتة والإحياء، ولا النشور، أي إعادة الأجساد حية من القبور، فالنشور: هو الإحياء بعد الموت للحساب، أو بعث الناس من القبور، والمخلوق: لا يملك ذلك.
ومن المعلوم أن الأصنام مخلوقة، يخلقها البشر بالنحت والتصوير، وهذا أشد إبداء لخساسة الأصنام.
إن الفرق واضح إذن بين الخالق المستحق وحده للعبادة وهو مالك السموات والأرض، وخالق جميع الأشياء بتقدير دقيق وتناسب بديع، وبين المخلوقات الضعيفة بنفسها، العاجزة عن جلب الخير ودفع الضر، التي لا تستطيع فعل شيء، ولا سلب شيء.