الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البعيد، فالله سبحانه عالم الغيب (ما وراء الطبيعة) والشهادة (عالم المحسوسات المرئية والمسموعة) ليكون ذلك دليلا على ألوهية الله ووحدانيته، دون شريك ولا منافس أو معارض أو شبيه ونظير، قال الله تعالى مبيّنا بعض مظاهر علمه الغيبي:
[سورة الرعد (13) : الآيات 8 الى 11]
اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (8) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (9) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (10) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (11)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» [الرّعد: 13/ 8- 11] .
أبانت هذه الآيات تمام علم الله تعالى وعلمه بدقائق الأشياء وعظائمها، فهو سبحانه يعلم ما في بطون الأجنّة من ذكورة وأنوثة، ووحدة وتعدّد، وأوصاف وخصائص، وآجال لها، وكل ما يطرأ على ما في الأرحام من بدء تخلّق الحمل، وولادة، وهو ما تغيض به الأرحام، أي ما تنقصه في زمن أو جسم، وما تزداد من نموّ الجنين ومدة مكثه في البطن ووقت ولادته، وكل شيء يدخله التقدير، عند الله تعالى، بأجل معيّن، وبمقدار محدد، لا يزيد عنه ولا ينقص. وجمهور المتأوّلين على أن غيض الرحم إرسال الدّم على الحمل. وقال الضّحاك: غيض الرّحم: أن تسقط المرأة الولد، والزيادة: أن تضعه لمدة كاملة، تامّا في خلقه. ودلّ الإحصاء العلمي على أن الجنين لا يزيد بقاؤه في بطن أمه عن 305 أو 308 أيام.
والله سبحانه عالم الغيب، أي ما غاب عن الإدراكات، وعالم الشهادة: ما
(1) ما تنقصه.
(2)
بقدر لا يتعدّاه.
(3)
العظيم الأعظم.
(4)
المستعلي على كل شيء.
(5)
ظاهر ذاهب.
(6)
أي له تعالى ملائكة تتعاقب على حفظ الإنسان ورعايته وكتابة أقواله وأفعاله.
(7)
أي بأمر الله وتقديره.
(8)
ناصر أو ولي أمر.
شوهد من الأمور، وهو الكبير الأكبر من كل شيء، المتعال على كل شيء، قد أحاط بكل شيء علما، أي شمل علمه كل شيء، وقهر كل شيء، فخضعت له الرّقاب، وذلّ له العباد طوعا وكرها.
والآية تشمل علم الله بالجزئيات والمفردات والدقائق، وتشمل علم الله بمقادير الأشياء وحدودها، وما يتخصص به كل شيء من أوصاف، ويعلم أشياء خفية لا يعلمها إلا هو، وهو ما غاب عن الحس، وما حضر من المحسوسات.
والله تعالى عالم علما تامّا بأحوال جميع مخلوقاته، سواء ما أسرّوه منها وأخفوه، أو ما أعلنوه وأظهروه، وما هو مختف في ظلام الليل في قعر البيت وجوانبه، وما هو ظاهر ماش بسرعة في ضوء النهار، فإن كلاهما في علم الله على السواء. فكل ما هو بالليل في غاية الاختفاء، وما هو متصرّف بالنهار، ذاهب لوجهته، سواء في علم الله تعالى وإحاطته بهما.
ولله تعالى وسائل تخزين للمعلومات والمعارف وهم الملائكة الحفظة على العباد أعمالهم، والحفظة لهم، فمن حكمته ورحمته تعالى أن جعل للإنسان ملائكة حفظة، يتعاقبون على حفظ الإنسان في الليل والنهار، لحمايته وصونه من المضارّ والطوارئ الجسام، وملائكة آخرون يتعقّبون أعمال العباد ويتّبعونها بالحفظ والتّدوين وكتابة كل ما يصدر عنهم من خير أو شرّ. فالمعقّبات: الجماعات التي يعقب بعضها بعضا، وهم الملائكة.
روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربّهم وهو أعلم بهم:
كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلّون، وأتيناهم وهم يصلّون» .
ثم أوضح الله تعالى مبدءا إلهيّا عظيما: وهو أنه لا عقاب بدون جريمة، فقال:
إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ
…
أي إن الله لا يبدّل ما بقوم من