الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولذلك المذكور من تمكين الناس من ممارسة حرياتهم، والاختيار الذي كان عنه الاختلاف، خلقهم، ليثيب مختار الحق بحسن اختياره، ويعاقب مختار الباطل بسوء اختياره كما قال الزمخشري في الكشاف. وذكر أهل السّنة أن اللام في قوله تعالى:
وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ليست لام التعليل، فليس الاختلاف والرحمة علة الخلق، وإنما هي لام الصيرورة، أي خلقهم ليصير أمرهم إلى الاختلاف، وإن لم يقصد بهم الاختلاف، فهذا تعبير عن ثمرة الأمر ومقتضاه.
وسبق في قضاء الله وقدره لعلمه التّام وحكمته النافذة أن ممن خلقه من يستحق الجنة، ومنهم من يستحق النار، وأنه لا بد من أن يملأ جهنم من الجنّ والإنس أجمعين، وهم الذين تمردوا وعصوا أوامر الله، ولم يهتدوا بما أرسل الله به الرسل من الآيات والأحكام.
فائدة القصة القرآنية للنّبي صلى الله عليه وسلم
بعد أن أخبر الله تعالى في سورة هود بقصص الأنبياء السابقين مع أقوامهم، ذكر فائدة تلك القصص بالنسبة للنّبي صلى الله عليه وسلم، وحصرها في فائدتين:
الأولى- تثبيت الفؤاد على أداء الرسالة وعلى الصبر واحتمال الأذى.
والثانية- بيان ما هو حق وعظة وذكرى للمؤمنين.
ثم ختم الله تعالى السورة بما بدأها به وهو الأمر بالعبادة والتوكل على الله، وعدم المبالاة بعداوة المشركين.
وهذه هي الآيات المبينة لهذه الأهداف:
[سورة هود (11) : الآيات 120 الى 123]
وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)
«1» [هود: 11/ 120- 123] .
والمعنى: وكلّا من السورة والآيات التي ذكر فيها قصص الأنبياء المتقدمين نقصّها عليك أيها النّبي بقصد تحقيق فائدتين:
الفائدة الأولى- ما به يقوى الفؤاد على أداء الرسالة وعلى الصبر واحتمال الأذى، لأن الأنبياء السابقين من قبلك تحملوا في جدال أقوامهم الأذى الكثير، فصبروا على ما كذّبوا به، فنصرهم الله، وخذل أعداءهم الكافرين، فلك بالمرسلين السابقين أسوة حسنة وقدوة تقتدي بها.
الفائدة الثانية- وتبيّن لك في هذه السورة وفي قصص الأنبياء ما هو الحق والصدق واليقين: وهو وحدانية الله وعبادته وحده، وإثبات البعث، وفضل التقوى والأخلاق الكريمة. كما أن في تلك الأنباء عظة وعبرة يرتدع بها الكافرون، وذكرى يتذكر بها المؤمنون.
وخصّ الله هذه السورة- سورة هود بوصفها بالحق- والقرآن كله حق- لأن ذلك يتضمن الوعيد للكفرة والتنبيه للناظر، لما فيها من أخبار الأنبياء ووصف الجنة والنار وبيان المستحق لكل منهما.
والحقّ: ما تضمنت سورة هود من وعيد الكفرة وبيان الأدلة الدّالة على التوحيد والعدل والنّبوة. والموعظة: التنفير من هيمنة الدنيا ومتاعها على النفس وإيثارها على الآخرة وسعادتها. والذكرى: الإرشاد إلى الأعمال الصالحة الباقية.
وبعد هذه التذكرة المشتملة على الترغيب والترهيب، ذكر الله آية وعيد، وهي:
(1) غاية تمكنكم من أمركم.
وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ.. الآية، أي وقل أيها الرسول للكافرين الذين لا يؤمنون بما جئت به من ربّك، على سبيل التهديد: اعملوا على حالاتكم وطريقتكم التي أنتم عليها من كفركم، وافعلوا ما تريدون من إيقاع الشّرّ بي، فنحن أيضا عاملون على طريقتنا ومنهجنا وهو الإيمان الصحيح والدعوة إلى الخير، وهذه مقولة تشبه مقالة شعيب عليه السلام لقومه في مدين. وانتظروا بنا نهاية أمرنا، إما بموت أو غيره مما تأملون، إنا منتظرون عاقبة أمركم، وما ينزل بكم من عقاب نزل بأمثالكم، إما من عند الله بالاستئصال الشامل، أو بأيدي المؤمنين بالحروب والمعارك. وانتظار مصير الفريقين له شبيه بقوله تعالى: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام: 6/ 135] .
وألفاظ هذه الآية تصلح للموادعة، وتصلح أن تقال على جهة الوعيد المحض والحرب قائمة.
ثم ختم الله تعالى سورة هود بآية تدلّ على انفراد الخالق بالعظمة وبما لا يمكن للبشر معرفته، وهو علم الغيب، وتبيين أن الخير والشّر وجليل الأشياء وحقيرها، متعلّق بأحكام المالك الحقيقي: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ أي إن الله تعالى مختص بعلم الغيب في السماوات والأرض في كل زمان من الماضي والحاضر والمستقبل، ومرجع جميع الخلائق والكائنات إلى الله تعالى لأنه مصدر الكل ومبدأ الكل، وصاحب القدرة الشاملة، والمشيئة النافذة.
وإذا كان الله هو المتّصف بما ذكر، فاعبده وحده ومن معك من المؤمنين، وفوّض أمرك كله لله، وثق به تمام الثقة في كل شيء، وليس بخفي على الله كل ما يعمل به المكذّبون والمصدقون، وما عليه أحوالهم، وما تصدر عنه أقوالهم، وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء في الدنيا والآخرة، وسينصرك الله أيها النّبي على أعدائك، ويكتب لرسالتك ودعوتك الخلود والفوز، فلا تبال بهم.