الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن الناس إما في غفلة عن هذه الواجبات، أو في جحود وإنكار، فيكون القرآن العظيم هو الدواء الناجع لعلاج التقصير، والمذكّر بما يجب على الإنسان نحو ربه، قال الله تعالى واصفا أحوال الجاحدين:
[سورة الحج (22) : الآيات 74 الى 76]
ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76)
»
[الحج: 22/ 74- 76] .
تتضمن الآيات المذكورة موضع الإلهيات والنبوات، أما الإلهيات: فإن الكفار يعبدون ما لا حجة لهم فيه ولا علم، فهم أي الكفار ما قدروا الله حق قدره، أي ما عرفوا حقيقة قدر الله وعظمته وجلاله، وما عظّموه حق التعظيم الواجب لذاته، حين عبدوا معه غيره، من الجمادات التي لا تعقل، ولا تمنع الضرر عن نفسها، ومن الأشخاص الذين هم بأشد الحاجة إلى من يعينهم على شؤون الحياة، والله وحده هو القوي القادر، الذي بقدرته خلق كل شيء، العزيز الذي عزّ كل شيء وقهره، فلا يغالب ولا يمانع، لعزته وعظمته، فهو الجدير بالعبادة والتعظيم.
ومن أجدر بذلك منه تعالى، فهو مصدر الوجود والخلق، ومصدر الخير والرزق والنعمة، والغني عن كل شيء، والقوي القاهر القادر على كل شيء.
ثم انتقل البيان القرآني من أوصاف الألوهية وما يجب لها، إلى أمور النبوة، فأفاد سبحانه أنه يختار من الملائكة رسلا لتبليغ الوحي إلى الأنبياء، ويختار من الناس رسلا لإبلاغ الرسالة إلى العباد، حسبما يشاء، وعلى وفق ما يريد، ويناسب الحكمة والمصلحة، كما قال الله تعالى في آية أخرى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الأنعام: 6/ 124] .
(1) ما عظّموه وما عرفوه.
وقد نزلت آية اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ حينما قال الوليد بن المغيرة: أو أنزل عليه الذكر من بيننا؟ فنزلت الآية.
وختمت الآية بتقرير بعض صفات الله عز وجل، وهي كونه تام السمع لأقوال عباده، وتام البصر والاطلاع على أحوالهم وأمورهم، وعليما كامل العلم والإحاطة بمن يستحق اختياره للرسالة، فقوله: وَمِنَ النَّاسِ هم الأنبياء المبعوثون لإصلاح الخلق، الذين اجتمعت لهم النبوة والرسالة.
إنه سبحانه يعلم علما تاما بأحوال الملائكة والرسل والمكلفين، ما مضى منها وما يأتي، فلا يخفى عليه شيء من أمورهم، وقوله تعالى: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ عبارة عن إحاطة علمه بهم، وحقيقتها: ما قبلهم من الحوادث وما بعدهم.
ويؤيدها آيات كثيرة في معناها، منها قوله سبحانه: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إلى قوله: وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً [الجن: 22/ 26- 28] .
وختمت الآية بقوله سبحانه: وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ أي وإليه يوم القيامة مرجع الأمور كلها، فلا أمر ولا نهي لأحد سواه.
وهذا تنبيه إلى القدرة التامة المهيمنة على كل شيء، وإلى تفرد الله سبحانه بالألوهية والحكم. وقوله سبحانه: يَعْلَمُ وقوله: وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ يتضمن مجموعهما الزجر عن الإقدام على المعصية، وضرورة الإقبال على ساحة الطاعة والامتثال.
لقد آن للعقل البشري أن يستفيق من غيه، وللإرادة الإنسانية أن تعود سريعا إلى ما يدل على أقل واجبات الوفاء نحو الله جل جلاله، وإلى المبادرة بالقيام بالفرائض والطاعات، قبل أن تغرب شمس العمر الإنساني، ويفجأ الموت بشدته وجود الإنسان.