الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتمتعون بالجنة. وهذه آيات تحدد بدقة موضع العبرة بالنسبة للآخرة وتبين مصير السعداء والأشقياء:
[سورة هود (11) : الآيات 103 الى 109]
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَاّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَاّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَاّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (107)
وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَاّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلَاّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109)
«1» «2» »
«4» [هود: 11/ 103- 109] .
معنى الآيات: إن في بيان قصص أمر أهل القرى الظالمة وما تعرضت له من عقاب لعبرة وعلامة اهتداء لمن خاف أمر الآخرة، وتوقع أن يناله عذابها، فنظر وتأمل. يعلم بعد نظره أن وعد الله صادق في مجيء الآخرة، وأن ما أخبر به الأنبياء من البعث والجزاء حقّ مؤكد لا شك فيه. وأن من عذّب الظالمين في الدنيا قادر على أن يعذبهم في الآخرة. وأن ما أصاب المجرمين في الدنيا ما هو إلا شيء يسير بالنسبة لعذاب الآخرة.
ذلك اليوم يوم عذاب الآخرة يجمع فيه الناس جميعا، أولهم عن آخرهم، ليحاسبوا عن أعمالهم، ثم يجازوا عليها، وذلك يوم مشهود، تحضره الخلائق جميعا، من الإنس والجنّ والدّواب، وتحضره الملائكة والرسل، ويحكم فيه الملك العادل الذي لا يظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها.
(1) أي يشهده جميع الخلائق.
(2)
إخراج النفس من الصدر.
(3)
رد النفس إلى الصدر.
(4)
أي غير مقطوع عنهم.
وما تأخير يوم القيامة وما فيه من أهوال وعذاب إلا لمضي مدة محددة في علم الله تعالى، لا زيادة عليها ولا نقص، وهي عمر الدنيا، لإعطاء الفرصة الكافية للناس لإصلاح أعمالهم، وتصحيح عقيدتهم، كما هو قانون الله وسنّته في صريح قرآنه:
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58)[الكهف: 18/ 58] .
ثم وصف الله المهابة يوم القيامة، وذهاب العقل، وهول القيامة، وذلك في قوله سبحانه: يوم يأتي يوم القيامة لا يتكلم أحد إلا بإذن الله تعالى، فهو صاحب الأمر والنهي المطلق، ويكون أهل المحشر صنفين: شقي معذب لكفره وعصيانه، وسعيد منعّم في الجنان لإيمانه واستقامته، كما قال تعالى: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشّورى: 42/ 7] . فمن اختار الغواية والشّر فهو من أهل الشقاوة، ومن أراد الهداية والخير، فهو من أهل السعادة، وكلّ ميسّر لما خلق له.
وأحوال الفريقين ما يلي: فأما الأشقياء فهم مستقرون في جهنم، بسبب اعتقادهم الفاسد وعملهم السيّئ، ولهم من الهمّ والكرب وضيق الصدر وشدة العذاب زفير تنفّسهم، شهيق نفسهم، على عكس المعتاد، لما يعانون من العذاب. وهم ماكثون في النار على الدوام مدة بقاء السماوات والأرض، وهذا مجرد تمثيل لإفادة التأبيد ونفي الانقطاع. والمراد بالاستثناء في قوله تعالى: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ بيان أن الخلود في النار بمشيئة الله تعالى، لا يخرج فيها شيء عن إرادته ومشيئته. قال ابن جرير: من عادة العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبدا قالت: هذا دائم دوام السماوات والأرض، وكذلك يقولون: هو باق ما اختلف الليل والنهار. أو أن الله يبدل السماء والأرض يوم القيامة، ويتأبد ذلك.
إن ربّك يفعل ما يشاء، على وفق علمه ومقتضى حكمته.