الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما أتقياء المؤمنين المبتعدين عن كل ألوان الشّرك، فلهم ثواب الجنة ذات الجمال المطلق والراحة الأبدية، ونعت الجنة أو وصفها الذي يشبه المثل في الغرابة، تلك الجنة التي وعدها الله للمتقين ذات أنهار تجري في أنحائها وجوانبها، وحيث شاء أهلها، يفجّرونها تفجيرا، ويوجّهونها حيث أرادوا، ما يؤكل فيها من المطاعم والمشارب دائم مستمر لا ينقطع، وكذلك ظلّها دائم، لا ينسخ ولا يزول، فليس فيها شمس ولا حرّ ولا برد، تلك الجنة هي عاقبة ومصير أهل التقوى، وعاقبة الكافرين النار، بسبب كفرهم وذنبهم. والمراد أن ثواب المتقين منافع خالصة عن الشوائب، موصوفة بصفة الدوام. والآية إطماع للمؤمنين المتّقين، وإقناط للكافرين، قال الله تعالى: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (63)[مريم: 19/ 63] . وقال سبحانه:
وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ [الزّخرف: 43/ 71] .
موقف أهل الكتاب والمشركين من نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم
كان المعارضون لدعوة النّبي صلى الله عليه وسلم فريقين: فريق المؤمنين المؤيدين، وفريق الجاحدين المنكرين الذين يتمسكون بشبهات واهية وأعذار ساقطة، لتسويغ انحرافهم بتأويلات لا يمكن قبولها أو الحماس لها، فاستحقت أن تطوى من تاريخ الفكر والعلوم. وهكذا أصبحت أفكارهم منقولة على سبيل التعجب من انحدار العقل البشري، والاتّعاظ من آفة الضلال التي تعصف بأصحابها وتهوي بهم في دركات الجحيم. قال الله تعالى واصفا موقف بعض أهل الكتاب والمشركين المعترضين على تصرّفات النّبي صلى الله عليه وسلم وأحكام دينه:
[سورة الرعد (13) : الآيات 36 الى 39]
وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (37) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَاّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (38) يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (39)
«1» «2» [الرّعد: 13/ 36- 39] .
هذه الآيات وصف لأحوال المعاصرين للنّبي صلى الله عليه وسلم، فهناك مؤمنو أهل الكتاب الذين يفرحون بما ينزل على النّبي صلى الله عليه وسلم في القرآن من تصديق شرائعهم وما يألفونه من أحكام ربّهم، وهم جماعة من اليهود كعبد الله بن سلام وأصحابه، وسلمان الفارسي وجماعة، من نصارى الحبشة واليمن ونجران، وعددهم ثمانون رجلا.
وهناك جماعة أخرى من أهل الكتاب (اليهود والنصارى) والمجوس الذين تحزّبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل كعب بن الأشرف اليهودي والسيد والعاقب أسقفي نجران وأتباعهم، هؤلاء ينكرون بعض ما جاءك أيها النّبي من الحقّ، وهو ما لم يوافق شرائعهم أو ما حرّفوه منها.
فجاء الرّد الإلهي عليهم، وأمر الله تعالى رسوله أن يطرح اختلافهم، وأن يصدع بأنه إنما أمر بعبادة الله، وترك الإشراك والدعاء إليه، واعتقاد المآب إليه، وهو الرجوع عند البعث إلى الله يوم القيامة. وهذا إعلان صريح بأن دعوة الإسلام تقوم على مبدأ التوحيد ورفض الشّرك، وإثبات البعث والحساب يوم القيامة.
ثم أوضح الله تعالى منهج القرآن وأسلوبه في الدعوة إلى التوحيد والإيمان بالله، بأسلوب عربي فصيح، واضح، سهل الفهم، وقريب التّلقي. فكما أرسلنا قبلك المرسلين أيها النّبي، وأنزلنا عليهم الكتب، كذلك سهلنا عليهم في ذلك وتفضّلنا في
(1) إلى الله مرجعي للجزاء.
(2)
اللوح المحفوظ وعلم الله الواسع.
تفصيل أصول الاعتقاد، فأنزلنا عليك القرآن الكريم محكما لا زيغ فيه، معربا بلسان قومك: وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا.. ليسهل عليهم فهمه وحفظه، ويبين لهم الأمور، ويفصل بين الحقّ والباطل، فيوضح الحلال والحرام، والشرائع والأحكام والأنظمة المؤدية لسعادة الدنيا والآخرة. والحكم في قوله تعالى: حُكْماً عَرَبِيًّا: ما تضمنه القرآن من المعاني بلغة العرب الفصحى.
ولئن اتّبعت يا محمد- على سبيل الافتراض- آراء تلك الفرق الضّالة، وهذا يتناول المؤمنين إلى يوم القيامة، مثل مجاملتهم في باطل عقائدهم وأهوائهم، بعد ما عرفت الحق، وجاءك العلم الصحيح، فليس لك ناصر ينصرك من الله، ولا حافظ ولا مانع يمنع عنك العقاب، وينقذك من العذاب. وهذا وعيد شديد لأهل العلم أن يتّبعوا سبيل أهل الضّلالة، بعد ما عرفوا الدين الحق، وهو أيضا حسم وقطع لأطماع المعارضين الكفرة في إقرار ما هم عليه، وتهييج للمؤمنين للثبات على دينهم.
ثم ردّ الله تعالى على طعن اليهود والمشركين بتعدّد زوجات النّبي صلى الله عليه وسلم ومضمون الرّد: كما أرسلناك يا محمد رسولا بشرا، كذلك جعلنا الأنبياء المرسلين قبلك من البشر، يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق ويتزوجون النساء، وينجبون الذّرّية والأولاد، فليس شأنك بدعا جديدا، فقد تقدّم هذا في الأمم، ثم زجر المقترحين من قريش بإنزال الملائكة، المتعجبين من كون الرسول بشرا، بأنه ليس في وسع النّبي محمد وغيره أن يأتي بمعجزة خارقة للعادة إلا بإذن وتمكين من الله، ليس ذلك إليه، بل إلى الله عز وجل يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، ولكل حادث أو كتاب أو كائن وقت معين وزمن محدد، ولكل وقت حكم يقرر على العباد، بحسب المصالح والأحوال يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ أي يبدل في الأشياء وينقلها كغفر الذنوب بعد تقريرها، ونسخ آية بعد تلاوتها واستقرار حكمها، وعند الله أصل الكتاب