الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وزعامة ونفوذ، وتفوق وإعجاب، لا يصح ولا يقبل أن تكون سببا للتفرقة بين الناس جميعا، فالناس كلهم لآدم، وآدم من تراب، لا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى أو بعمل صالح.
إعلان منهج الحق القرآني
ركّز القرآن الكريم على تبيان الصفة البارزة الناصعة لرسالة الإسلام، وهي أنه دين الحق الثابت، وطريق الحق الذي لا محيد عنه، وجوهر الحق الذي لا خلاف فيه، فإذا اختلف الناس في توصيف الأشياء، وجدوا الصواب والسداد في آي القرآن الكريم وأحكامه، وإذا ابتغوا السلامة والنجاة والسعادة، لم يجدوها في غير التزام العمل الصالح والإيمان الكامل. والسعادة الحقة: هي المؤدية للخلود الأبدي في نعيم الجنان، والتفيؤ بظلال الرحمن، والحظوة من الله بنعمة الرضوان، قال الله تعالى:
[سورة الكهف (18) : الآيات 29 الى 31]
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31)
«1» «2» «3» »
«5» [الكهف:
18/ 29- 31] .
هذا توجيه ثالث في سورة الكهف للنبي صلى الله عليه وسلم، ومفاده: قل أيها النبي: هذا الذي
(1) السرادق: كل ما أحاط بالشيء.
(2)
كدردي الزيت أو كالمذاب من المعادن.
(3)
متكأ أو مقرا، والمرتفق: الشيء الذي يرتفق به أي ينتفع به، وهو الشيء الذي يطلب رفقه باتكاء وغيره.
(4)
رقيق الديباج (الحرير) .
(5)
غليظ أو سميك الديباج.
جئتكم به من ربكم وهو القرآن، هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك، وهو النظام الأصلح للحياة، فمن شاء آمن به، ومن شاء كفر به، فأنا في غنى عنكم، ومن عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها، ثم يحاسبكم ربكم على أعمالكم. وفي هذا تهديد ووعيد.
ونوع الوعيد المهدد به: هو ما أخبر الله عنه بقوله: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أي إنا هيأنا وأعددنا للكافرين بالله ورسوله وكتابه نار جهنم الذي أحاط بهم سورها أو جدارها من كل جانب، حتى لا يجدوا مخلصا منها.
وإن يطلب هؤلاء الظالمون المعذبون في النار إغاثة ومددا وماء، لإطفاء عطشهم، بسبب حرّ جهنم، يغاثوا بماء غليظ كثيف كعكر الزيت أو كالدم والقيح، يشوي جلود الوجوه من شدة حره، بئس هذا الشراب شرابهم، فما أقبحه، فهو لا يزيل عطشا، ولا يسكّن حرا، بل يزيد فيها، وساءت جهنم مرتفقا، أي متكأ وموضعا للانتفاع. وجاء وصف سرادق النار في آية أخرى هي: انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (33)[المرسلات: 77/ 30- 33] .
وقوله سبحانه: فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ توعد وتهديد، وليس على سبيل التخيير بين متساويين، والمراد: فليختر كل امرئ لنفسه ما يجده غدا عند الله عز وجل.
وأما جزاء أهل السعادة والإيمان فهو الجنة، إن الذين آمنوا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبجميع المرسلين في كل ما جاؤوا به، وعملوا الأعمال الصالحة التي أمر الله بها، فلا يضيع الله أجرهم على إحسانهم العمل. والجمع بين الإيمان والعمل الصالح دليل على أنه لا يصح أحدهما دون الآخر.
وأوصاف نعيم المؤمنين العاملين أربعة:
الأول- أن لهم جنات إقامة دائمة، تجري فيها الأنهار من تحت غرفهم ومنازلهم.
الثاني- يلبسون في الجنان حلية فيها أساور من ذهب.
والثالث- ويلبسون أيضا ثيابا خضراء من السندس: وهو رقيق الحرير، والإستبرق: وهو غليظ الديباج، أو الحرير المنسوج بالذهب، والحرير الأخضر ترتاح العين عند إبصاره.
والرابع- وهم متكئون في الجنان على الأرائك، أي الأسرة، شأنهم شأن الملوك والعظماء، وأصحاب السعادة الحقيقية.
ومن حظي بهذه الألوان من النعيم، كان حقا محل اغتباط وسرور، لذا قال الله تعالى: نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً أي نعمت الجنة ثوابا على أعمالهم، وحسنت منزلا ومقرا ومقاما، كما في آية أخرى: خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (76)[الفرقان: 25/ 76] .
وحكى مكي والزهراوي وغيرهما حديثا مفاده أن قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ الآية، نزلت في أبي بكر، وعمر، وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم.
سأل أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي:«أعلم قومك أنها نزلت في هؤلاء الأربعة» وهم حضور «1» .
(1) ذكره الماوردي بلفظ آخر مقارب، وأسنده النحاس في معاني القرآن عن البراء بن عازب، وأسنده السهيلي في كتاب الأعلام.