الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفضل بمضاعفة أجر المحسنين. وأما الذين كفروا بالله ورسله وأنكروا البعث، وتعجبوا من الإيحاء لبشر ينذرهم ويبشرهم، فلهم من الجزاء شراب ساخن شديد الحرارة، يقطّع الأمعاء، ويشوي البطون، فبئس الشراب شرابهم، ولهم أيضا يوم القيامة عذاب موجع مؤلم أشد الألم بسبب كفرهم، من سموم وحميم وظل من يحموم، بسبب ما كانوا يكفرون أو يجحدون من توحيد الله وإنكار البعث والجزاء.
إثبات القدرة الإلهية
ما من شيء معقول أو محسوس أو ملموس أو مشاهد إلا ويدل دلالة قاطعة على قدرة الله تعالى الخارقة والزائدة على أية قدرة، لأن قدرة الله تعالى تتميز في إيجاد الموجودات وما يكون بينها من نسب ومقادير يقتضيها إبداع التسوية والتركيب وإتقان الأشياء. أما قدرة البشر مثلا فهي مقصورة على معرفة ظواهر القدرة الإلهية والاستفادة منها في التصنيع والتعديل والتطوير وتغيير الشكل، مع العجز التام عن إيجاد المعدوم وخلق الأشياء، قال الله تعالى واصفا بعض الظواهر الكونية الدالة على قدرته الفائقة:
[سورة يونس (10) : الآيات 5 الى 6]
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَاّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)
«1» [يونس: 10/ 5- 6] .
هذه الآية تصف آيات الله، وتنبه على صنعته الدالة على الصانع المتقن، من خلال بيان أحوال الشمس والقمر الدالة على التوحيد من جهة الخلق والإيجاد، وعلى إثبات
(1) جعله ذا منازل يسير فيها.
المعاد من جهة كونهما أداة لمعرفة السنين والحساب، ثم ذكر المنافع الحاصلة من اختلاف الليل والنهار، وما أبدع الله في السماوات والأرض.
الله سبحانه جعل الشمس في النهار ضياء للكون، ومصدرا للحياة وإشعاع الحرارة الضرورية للحياة، في النبات والحيوان، وجعل القمر نورا في الليل يبدد الظلمات، وقدر مسيره في فلكه منازل، ينزل كل ليلة في واحدة منها، وهي ثمانية وعشرون منزلا معروفة لدى العرب، يرى القمر فيها بالأبصار: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ [يس: 36/ 39] وهي البروج.
وهذه الآية تقتضي أن الضياء أعظم من النور وأبهى، بحسب الشمس والقمر، والضياء أشد تأثيرا على الأبصار، وأما نور القمر فهو أهدأ وأقرب للتفاعل والتجاوب معه. لذا شبه الله تعالى هداه ولطفه بخلقه بالنور، فهداه في الكفر كالنور في الظلام، فيهتدي قوم ويضل آخرون. ولو شبه الله هداه بالضياء لوجب ألا يضل أحد، فيصبح الهدى مثل الشمس التي لا تبقى معها ظلمة.
ومن فوائد الشمس والقمر: معرفة حساب الأوقات والأزمان، فبالشمس تعرف الأيام، وبالقمر تعرف الشهور والأعوام، وفي كل من الحساب الشمسي والقمري فوائد، فالحساب الشمسي ثابت، والحساب القمري أسهل على البدوي والحضري، لذا أنيطت به الأحكام الشرعية، وبكلا الحسابين رفق بالناس، وتسهيل لمعرفة شؤون المعاش والتجارة والإجارة وغير ذلك مما يحتاج لمعرفة التواريخ.
ما خلق الله ذلك المذكور من الشمس والقمر إلا خلقا ملتبسا بالحق الذي هو الحكمة البالغة، ولم يخلقه عبثا بل لحكمة وفائدة، فمعنى قوله تعالى: ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ أي للفائدة لا للعب والإهمال، فيحق أن تكون كما هي.
يبين الله الآيات الكونية الدالة على عظمته وقدرته، والآيات القرآنية المرشدة
للإيمان ونظام الحياة، لقوم يعلمون طرق الدلالة على الخالق ومنافع الحياة، ويميزون بين الحق والباطل. وإنما خص تفصيل ذلك بالعلماء، لأن نفع التفصيل وإدراكه فيهم ظهر، وعليهم أضاء.
ودليل آخر على قدرة الله تعالى وهو تعاقب الليل والنهار، إذا جاء هذا ذهب هذا، وإذا ذهب هذا جاء هذا، لا يتأخر عنه شيئا، وفي تفاوتهما أيضا عبرة، فيظهر طولهما وقصرهما بحسب مواقع الأرض من الشمس، وما لهما من نظام دقيق، وما فيهما من برودة وحرارة، يعود نفع كل ذلك للإنسان الذي جعل الله له الليل لباسا وسكنا، والنهار معاشا وحركة وتقلبا، ويعود نفعه أيضا للحيوان والنبات.
ومن أدلة القدرة الإلهية أيضا: ما خلق الله في السماوات والأرض من أحوال الجماد والنبات والحيوان، وأحوال الرعود والبروق والسحب والأمطار، وأحوال البحار من مد وجزر، وأحوال المعادن من خواص وتركيب ومنافع في البناء والحياة وتقدم المدينة والحضارة.
إن في ذلك كله لآيات ودلائل دالة على وجود الله ووحدانيته وقدرته، وحكمته وعظمته، وكمال علمه، لقوم يتقون مخالفة سنن الله في التكوين، وسننه في التشريع، فسنة الحياة المادية الحفاظ على الصحة، وسنة الحياة المعنوية الاستقامة، من أفسدها وخالفها أساء لنفسه، وكل من لم يتق عقاب الله وسخطه وعذابه، بارتكابه المعاصي ومخالفة السنن، عوقب على ذلك في الدنيا والآخرة. وخص الله تعالى هنا القوم المتقين تشريفا لهم، إذ الاعتبار فيهم يقع، وتأملهم فيها أدق وأفضل من تأملات من لم يهتد ولا اتقى.