الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تهديد الله أهل مكة الذين عادوا الإسلام
لا يتعجل الله سبحانه عادة بعقاب الكفار على كفرهم وظلمهم، وإنما يعطيهم الفرصة الكافية للنظر والتأمل، ومراجعة الحساب، وامتثال أوامر الله، فينذرهم مرة، ويحذرهم تارة، ويذكّرهم بمصير الظلمة العتاة الذين سبقوهم، وكل ذلك من أجل الحرص على صلاحهم وهدايتهم وتمكينهم من العودة القريبة لجادة الاستقامة وسلوك الطريق الأقوم، وهذا المنهج تقرره الآيات الكريمة التالية:
[سورة النحل (16) : الآيات 45 الى 50]
أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (47) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49)
يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (50)
»
«2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» [النّحل: 16/ 45- 50] .
هذه آية تهديد لأهل مكة، في قول الأكثرين، ومعناها: أفأمن الكفار العصاة الذي يعملون السيئات ويمكرون بالناس في دعائهم إلى الضلال، ويسيئون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحاولون صد الناس عن الإيمان بدعوته، وهم أهل مكة، هل أمنوا أحد أمور أربعة؟
- أن يخسف الله بهم الأرض، كما فعل بقارون.
- أو أن يعجل الله لهم العذاب فجأة من حيث لا يشعرون به، كما صنع بقوم لوط.
(1) يغيّب.
(2)
أسفارهم.
(3)
فائتين من عذاب الله بالهرب.
(4)
أي مع تخوف وتوقع للبلايا، أو تنقص في الأموال والأنفس والثمرات.
(5)
جسم له ظل.
(6)
تنتقل من جانب لآخر.
(7)
منقادة لحكم الله.
(8)
أي صاغرون منقادون. [.....]
- أو يأخذهم في تقلّبهم في الليل والنهار وفي أسفارهم ومتاجرهم واشتغالهم بالمعايش والمكاسب والملهيات، فلا يعجزون الله على أي حال كانوا عليه.
- أو يأخذهم على جهة التخوف: وهو التنقص في الأموال والأنفس والثمرات، فإن الله تعالى لم يعجل بعذابهم، ولم يعاجلهم بالعقوبة لأنه رؤف رحيم بعباده، فترك لهم فرصة يتمكنون من تلافي التقصير، واستدراك الأخطاء، والعدول عن الضلال.
جاء في الحديث الصحيح: «لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم يجعلون له ولدا، وهو يرزقهم ويعافيهم» .
وهذه الإنذارات تتطلب التذكير بقدرة الله الشاملة والخارقة، لذا جاء التذكير بإبداع المخلوقات السماوية والأرضية، وهي ألم ينظر هؤلاء الذين مكروا السيئات إلى ما خلق الله من شيء له ظل، من جبل وشجر وبناء وجسم قائم، تتميل ظلاله «1» من جانب إلى جانب، ذات اليمين وهو المشرق، وذات الشمال وهو المغرب، بكرة وعشيا، أي في الغداة أول النهار، وفي المساء آخر النهار، وتلك الظلال ساجدة لأمر الله وحده، والسجود: الانقياد والاستسلام، وهم صاغرون خاضعون منقادون لله، لأن الظلال تتحول من جهة المشرق إلى جهة المغرب، وهذا الانتقال دليل على القدرة الإلهية، وبعبارة أخرى: أو لم ينظروا إلى ما خلق الله من الأجرام التي لها ظلال، متفيئة عن أيمانها وشمائلها، أي عن جانبي كل واحد منها وشقّيه، ترجع الظلال من جانب إلى جانب، منقادة لله، غير ممتنعة عليه، فيما سخرها له من التفيؤ، كما أن الأجرام المادية في أنفسها صاغرة منقادة لأفعال الله، لا تمتنع.
وهذا في الجمادات، ثم ذكر الله سجود الأحياء، فلله يسجد كل ما في السموات
(1) يتفيأ ظلاله في قراءة الجمهور، وقرأ أبو عمرو وحده:((تتفيأ)) . قال أبو علي الفارسي: إذا تقدم الفعل المسند إلى مثل هذا الجمع، فالتذكير والتأنيث فيه حسنان.