الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أتاك الرزق من حيث لا تحتسب، كما جاء في آية أخرى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 65/ 2- 3] .
أخرج مالك والبيهقي عن أسلم قال: كان عمر بن الخطاب يصلي من الليل ما شاء الله تعالى أن يصلي، حتى إذا كان آخر الليل، أيقظ أهله للصلاة، ويقول لهم:
الصلاة الصلاة، ويتلو هذه الآية.
وروى الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنّى، وأسدّ فقرك، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلا، ولم أسدّ فقرك» .
طلب المعجزات المادية من المشركين
إذا أفلس الناس في مجال المنطق والبرهان العقلي والدليل الفكري، لجؤوا عادة على سبيل المكابرة والتحدي إلى المطالبة بالمعجزات المادية غير المعقولة، وتمسكوا بالمستحيل من أجل إظهار الضعف وإبطال المبدأ وإخراس كلمة الحق والهداية والرشاد، وهذا ما فعله كبار المشركين من قريش في مكة، تمسكا بعبادة الوثنية، وتحديا للنبوة ورسالة السماء، وإصرارا على أبهة الزعامة والرياسة في أرجاء مكة وأمام العرب قاطبة، وإحراجا لنبي الله الذي هو بشر يؤيده الله بما شاء من المعجزات، وهذا التعنّت والعناد دوّنته آيات من القرآن الكريم لإظهار موقف المكابرين والمعاندين وإبطالا لأقوالهم، وتجميدا لمواقفهم وأفعالهم، قال الله تعالى:
[سورة طه (20) : الآيات 133 الى 135]
وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (133) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى (134) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (135)
«1»
(1) أي مشركو مكة.
«1» «2» «3» [طه: 20/ 133- 135] .
هذا لون من أباطيل قريش وأقاويلهم الفارغة، فإنهم كذبوا بالقرآن المعجزة، الخالدة الساطعة، على الرغم من تحديهم به وطلب معارضتهم له، فزعموا أن القرآن ليس بحجة ولا معجزة تدل على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وطالبوا بمعجزات أخرى، قائلين: هلّا يأتينا محمد بآية بيّنة من ربه، ذات صفة مادية، تدل على صدقه في أنه رسول الله، مثل المعجزات المادية للأنبياء السابقين، كعصا موسى، وناقة صالح، وإحياء عيسى الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، فردّ الله تعالى عليهم موبخا لهم: ألم تأتهم بيّنة الصحف الأولى يعني التوراة، فإنها أعظم شاهد وأكبر آية لمحمد، تدل على صدقه، حين بشّرت به، وذكرت أوصافه الدالة عليه. ألا وإن أعظم آية أو معجزة تصدّق محمدا صلى الله عليه وسلم في نبوته ورسالته، إنما هي القرآن العظيم.
ثم أخبر الله نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام: أنه لو أهلك هذه الأمة الكافرة قبل إرساله إليهم وإنزال القرآن، لقالوا يوم القيامة: يا ربنا هلا كنت أرسلت إلينا رسولا في الدنيا، حتى نتّبع آياتك التي يأتي بها الرسول عادة، من قبل أن نذلّ بالعذاب في الدنيا، ونخزى بدخول النار في الآخرة؟ وهذا دليل واضح على أن التكليف الإلهي والعقاب على التقصير أو المخالفة لا يكون قبل مجيء الشرع من عند الله رب العالمين.
والحق أن هؤلاء المكذبين للرسول في مكة متعنتون معاندون، لا يؤمنون ولو جاءتهم الآيات تتوالى.
فقل لهم أيها النبي: كل واحد منا ومنكم منتظر لما يؤول إليه الأمر، فانتظروا
(1) نفتضح في الآخرة.
(2)
أي منتظر ما يؤول إليه الأمر.
(3)
الطريق المستقيم.
أنتم، فستعلمون عن قريب في عاقبة الأمر، من هو على الطريق الحق المستقيم، أنحن أم أنتم، وستعلمون من المهتدي على طريق الحق والاستقامة، البعيد عن مهاوي الغواية، السائر على نهج السداد والصواب.
وهذا لون من التوعّد والتوبيخ على خطأ منهج المشركين، وكأنّ هذه الآية قسمت الفريقين: أي ستعلمون هذا من هذا.
أخرج أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يحتجّ على الله تعالى يوم القيامة ثلاثة: الهالك في الفترة «1» ، والمغلوب على عقله، والصبي الصغير، فيقول المغلوب على عقله: ربّ، لم لم تجعل لي عقلا؟ ويقول الصبي نحوه. ويقول الهالك في الفترة: يا ربّ، لم لم ترسل إلي رسولا؟
ولو جاءتني لكنت أطوع خلقك لك، قال: فترفع لهم نار، ويقال لهم: ردوها، قال: فيردها من كان في علم الله أنه سعيد، ويكعّ عنها الشقي، فيقول الله تبارك وتعالى: إيايّ عصيتم، فكيف برسلي لو أتتكم؟» .
أما الصبي والمغلوب على أمره فهما غير مكلفين، وهما في الجنة بفضل الله ورحمته من غير حساب ولا عمل ولا عقاب إلا من علم الله شقاوته وهو المعترض. وأما صاحب الفترة: فليس ككفار قريش ممن علم وسمع عن نبوة ورسالة في أقطار الأرض، وإنما هم الذين لا علم لهم برسالة أو نبوة صحيحة، فهؤلاء ناجون، فهم الذين لم يصل إليهم أن الله تعالى بعث رسولا ولا دعا إلى دين، وهؤلاء قليلون في الدنيا، وأهل الفترة ناجون من العذاب إلا من أخبر رسول الله أنه في النار، وربما يكون اعتراض هؤلاء الأصناف الثلاثة حينما يعلمون أنهم في النار، ثم ينجي الله تعالى من علم أنه سعيد فيما لو جاءه رسول.
(1) أي في الفترة ما بين زمني نبيين كما بين عيسى ومحمد عليهما السلام.