الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من علم نافع وعمل صالح. والرشد: الصواب. فأجابه الخضر: إنك لن تقدر على مصاحبتي، ولن تطيق صبرا على ما تراه مني لأني على علم من الله علمنيه لا تعلمه، وأنت على علم من الله، علمكه لا أعلمه، وكل منا مكلف بأمر من الله، فلا تقدر على صحبتي، وكيف تصبر على شيء لم تعلم وجه الحكمة فيه وطريق الصواب. فقال موسى: ستجدني إن شاء الله صابرا على ما أرى من أمورك، ولا أخالفك في شيء، فقال الخضر مشترطا على موسى: إن سرت معي، فلا تسألني عن أمر يحدث، حتى أبدأك أنا به قبل أن تسألني.
أحداث قصة موسى مع الخضر
في مرحلة الاختبار الصعبة لموسى عليه السلام، لمعرفة مدى صبره على ما قام به العبد الصالح: الخضر، وقعت أحداث غريبة ثلاثة، لا تنسجم مع أصول المعرفة والشريعة الموسوية، مما جعل موسى عليه السلام يستنكر كل حادث منها، ناسيا العهد الذي التزمه مع الخضر بألا يعترض على شيء حتى يبين له الأسباب الخفية وما وراء الظواهر، وهذه الأحداث قصها القرآن الكريم علينا فيما يأتي:
[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 78]
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (71) قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (72) قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (73) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (74) قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (75)
قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (76) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (77) قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (78)
«1» «2» «3» «4»
(1) إمرا، أي أمرا عظيما منكرا.
(2)
لا تحملنّي.
(3)
صعوبة ومشقة.
(4)
أي ينكره الشرع والعقل.
«1» «2» [الكهف: 18/ 71- 78] .
أحداث هذه القصة ثلاثة هي السفينة، والغلام، والجدار.
أما قصة السفينة: فحينما انطلق موسى والخضر يمشيان على ساحل البحر، يطلبان سفينة، فمرت بهما سفينة، فكلّما أصحابها أن يركبوا (موسى وفتاه والخضر) فيها معهم، فعرفوا الخضر، فحملوهم بغير أجر، تكرمة للخضر، فلما سارت بهم السفينة في وسط أمواج البحر، قام الخضر بخرقها بفأس، فقلع لوحا من ألواحها، ثم رقّعها. فقال موسى للخضر منكرا عليه: أخرقتها لتغرق أهلها؟ أي ليؤول أمرهم إلى الغرق، لقد جئت شيئا منكرا عظيما. فقال الخضر لموسى: ألم أقل لك سابقا:
إنك لن تتمكن من الصبر معي على ما ترى مني من أفعال. فاعتذر موسى للخضر قائلا: لا تؤاخذني بنسياني، وتركي وصيتك أول مرة، ولا تكلفني أمرا شاقا عسيرا علي.
وأما قصة الغلام: فتمت حينما خرج موسى وفتاه والخضر من السفينة، وسار موسى والخضر على الساحل، فأبصر الخضر غلاما وضيئا حسن الهيئة لم يبلغ الحلم يلعب مع الغلمان، فقتله الخضر باقتلاع رأسه أو ذبحه، فقال موسى: أتقتل نفسا زكية طاهرة من الذنوب، طيبة لم تخطئ، بغير قتل نفس، أي قصاص، لقد أتيت شيئا منكرا لا يقره الشرع، فأجابه الخضر مؤكدا إنكاره عليه وتذكيره بعهد الرفقة:
ألم أقل لك لن تتمكن من احتمال ما أفعله، ولن تسكت على ما أقوم به. فاعتذر موسى عليه السلام مرة أخرى قائلا: إن اعترضت على شيء يحدث بعد هذا الفعل أو
(1) امتنعوا.
(2)
ينهدم.
هذه المرة، فلا تتخذني صاحبا لك، قد أعذرت إليّ مرة بعد أخرى، حيث خالفتك مرتين إلى الآن، وهذا كلام يدل على شدة الندم.
روى ابن جرير الطبري عن أبي بن كعب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أحدا، فدعا له، بدأ بنفسه، فقال ذات يوم: رحمة الله علينا وعلى موسى، لو لبث مع صاحبه، لأبصر العجب، ولكنه قال:«إن سألتك عن شيء بعدها، فلا تصاحبني، قد بلغت من لدني عذرا» .
وأما قصة الجدار: فهي أن موسى والخضر مشيا بعد الحدثين السابقين، حتى إذا وصلا إلى قرية هي أنطاكية، طلبا من أهلها إطعامهما وسد جوعتهما، فرفضوا الضيافة، وذلك إخلال بالمروءة، وبخل وشح. فوجد موسى والخضر في تلك القرية حائطا آيلا إلى السقوط، فرده الخضر كما كان، ونسبة إرادة السقوط للجدار: على سبيل الاستعارة، فقال موسى للخضر: ليتك تطلب أجرة على إصلاح الجدار، لأن أهل هذه القرية لم يضيفونا، فلا يستحقون العمل مجانا، فأجابه الخضر: هذا الإنكار أو الاعتراض الثالث سبب الفراق بيننا، بحسب الشرط الذي بيننا، وسأخبرك ببيان أسباب الأفعال التي أنكرتها علي، ولم تصبر عليها، وهي خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار. وهذا الموقف من الخضر عتاب لموسى، ولوم له على عدم الصبر.
قال ابن عطية في تفسيره: ويشبه أن تكون هذه القصة أصلا للآجال في الأحكام التي هي ثلاثة أيام، وأيام التلوم ثلاثة، فتأمله.
والواقع أن موسى عليه السلام كان معذورا في اعتراضاته، لأنه بحسب قواعد الشريعة مطالب بإنكار المنكر، وأما الخضر فكان أيضا على حق لأنه يفعل بإلهام من الله، وتنفيذ لمراد الله تعالى.