الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علمي موثوق وهو القرآن الكريم وحده- كلام رب العالمين، وهذا تبيان وجيز لأخبار ثلاثة عظماء من هؤلاء الرسل: وهم إسماعيل وإدريس وذو الكفل عليهم السلام، قال الله في كتابه العزيز:
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 85 الى 86]
وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86)
«1» [الأنبياء: 21/ 85- 86] .
واذكر أيها النبي محمد لقومك خبر إسماعيل وإدريس وذي الكفل، كل منهم كان كأيوب عليه السلام من الصابرين المحتسبين، الذي صبروا على البلاء والشدائد، وعلى طاعة الله وعن معاصيه.
فاستحقوا إكرام الله، وجعلهم من أهل الرحمة بالنبوة، والظفر بجنان الخلد، والتمتع برضوان الله وثوابه، لأنهم أهل صلاح وتقوى، وأنبياء معصومون، وصلاحهم لا يخالطه شائبة من شوائب الفساد.
أما إسماعيل: فهو ابن إبراهيم الخليل عليهما السلام، وهو أبو العرب المعروفين اليوم، وقد تعرض مع أمّه للعيش في مكان قفر في بطاح مكة الجرداء، والتي لا ماء فيها ولا خضرة، وأعدّ للذبح في رؤيا أبيه إبراهيم عليه السلام، ورؤيا الأنبياء حق وصواب، لا مجال فيها للشك والتكذيب، فصبر على الإقامة في بلد لا زرع فيه ولا مورد عيش كريم، وصبر في بناء البيت الحرام مع أبيه إبراهيم، وصبر على الانقياد للذبح، قال: يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات: 37/ 102] .
وأما إدريس فهو خنوخ، وهو أول نبي بعث الله من بني آدم، وروي أنه كان
(1) قيل: هو إلياس عليه السلام، والأصح أنه ابن أيوب عليه السلام، من أنبياء بني إسرائيل.
خيّاطا صابرا على مهنته، يسبّح الله عند إدخال الإبرة، ويحمده عند إخراجها، دعا قومه لعبادة الله وحده، فأبوا، فأهلكهم الله وأبادهم. وكان أول من اتخذ السلاح عدّة للحرب.
وأما ذو الكفل: فإنه صبر على صلاة الليل حتى يصبح، وعلى صيام النهار فلا يفطر، ويقضي بين الناس فلا يغضب، ووفّى بذلك وبما ضمن على نفسه، سمي «ذا الكفل» لأنه تكفّل بأمر، فوفى به، أي إنه صبر على تحمل أخلاق الناس والدين، وعلى موجبات مرضاة الله تعالى.
روي أن «اليسع» جمع بني إسرائيل، فقال: من يتكفّل لي بصيام النهار، وقيام الليل، وألا يغضب، وأولّيه النظر للعباد بعدي؟ فقام إليه شاب، فقال: أنا لك بذلك، فراجعه ثلاثا في ذلك، يقول: أنا لك بذلك، فاستعمله، فلما مات «اليسع» قام بالأمر، فجاء إبليس ليغضبه- وكان لا ينام إلا في القائلة: منتصف النهار- فكان يأتيه وقت القائلة أياما، فيوقظه، ويشتكي ظلامته، ويقصد تضييق صدره، فلم يضق به صدرا، ومضى معه لينصفه بنفسه، فلما رأى إبليس ذلك، إبليس عنه، أي نأى وأيس، وكفاه الله شرّه. وهذا هو ذو الكفل.
إن سيرة إسماعيل وإدريس وذي الكفل المترعة بالصلاح والتقوى، وبالصبر والجهاد والمصابرة، تصلح درسا للرجال الأشداء الذين شحذوا عزائمهم، وجدّوا في الطاعة، وعاشوا عبادا صالحين قانتين لربهم، يصلون ويصومون، ويتحملون ألوان الأذى ومكاره العيش، ويصبرون على أخلاق الناس وطبائعهم، فسلام من الله ورحمته عليهم، ومتّعهم الله بجنات الخلود.