الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإما اعتمادا على الإجماع في قوله سبحانه: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى [النساء: 4/ 115] .
وإما عملا بالاجتهاد أو القياس، وإما ببيان القواعد الكلية والمبادئ والمقاصد العامة، وأصول التشريع، فكان القرآن بهذه الأصول والقواعد تبيانا لكل شيء.
قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود والترمذي: «إني أوتيت القرآن ومثله معه» .
والواقع أن عموم القرآن وشموله لكل نواحي الدين والدنيا والقيادة والعبادة، وأنظمة الحياة الاقتصادية، والسياسية، والحربية، والاجتماعية، إنما جاء من طريق جعله دستور الحياة الإسلامية الصالح لكل زمان ومكان، والدستور عادة يكون بوضع الأصول والمبادئ العامة والأنظمة الكلية في الجملة، وبأسلوب مرن.
أجمع آية للخير والشر
امتاز التشريع القرآني ببيان الإيجابيات والسلبيات، وإيضاح المحاسن وأصناف الخير، والتحذير من المساوئ وألوان الشر، وكان منهجه ليس مجرد وضع قوانين جامدة، وإنما التنصيص على قواعد العدل، مع قرنها بالإحسان، وبناء الحياة بقواعد المعروف، والتنبيه إلى معاول الهدم بمقاومة المنكر والبغي، والعدل والإحسان يحتاج احترامهما إلى الوفاء بالعهد، وتحريم الخيانة والغدر، ومنع نقض الأيمان والعهود، قال الله سبحانه مبينا هذه الأصول:
[سورة النحل (16) : الآيات 90 الى 92]
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (91) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)
«1» «2» «3» «4»
(1) بالاعتدال والتسوية في الحقوق.
(2)
إتقان العمل.
(3)
الذنوب القبيحة.
(4)
الظلم والتجبر على الناس.
«1» «2» «3» «4» «5» «6» [النّحل: 16/ 90- 92] .
قال ابن مسعود رضي الله عنه: أجمع آية في كتاب الله آية في سورة النحل، وتلا هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وروى ابن جرير الطبري عن بريدة، في بيان سبب نزول آية: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ.. قال: نزلت هذه الآية في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم. وروى ابن جرير أيضا: أن الآية نزلت في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم، كان من أسلم، يبايع على الإسلام، فقال الله تعالى:
وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ.. الآية، فلا تحملنكم قلة جند محمد وأصحابه، وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التي بايعتم على الإسلام، وإن كان في المسلمين قلة، وفي المشركين كثرة.
وروى ابن أبي حاتم في سبب نزول: وَلا تَكُونُوا قال: كانت سعيدة الأسدية مجنونة، تجمع الشعر والليف. فنزلت هذه الآية: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً.
ومعنى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ العدل: هو فعل كل مفروض، من عقائد وشرائع، وسير مع الناس في أداء الأمانات، وترك الظلم، والإنصاف وإعطاء الحق.
والإحسان: فعل كل مندوب إليه، أي فهو زائد على العدل، كالرحمة التي هي
(1) شاهدا ورقيبا وضامنا. [.....]
(2)
إبرام وإحكام.
(3)
جمع نكث، وهو ما ينكث بمعنى منكوث وهو المنقوص.
(4)
أي مكرا وخديعة.
(5)
أي أكثر عددا وأقوى.
(6)
يختبركم للوفاء بالعهد.
فوق القوة، وإن الله يأمر عباده بالعدل والإنصاف مطلقا في كل شيء في التعامل والقضاء والحكم، وشؤون الدين والدنيا، حتى مع نفسه ومع غيره، وفي الاعتقاد، فلا يعبد بحق وعدل غير الله الخالق الرازق، النافع، ويأمر الله أيضا بالإحسان في العبادة وإلى المسيء، وإلى القرابة والجيران وإلى الناس قاطبة. ويأمر سبحانه بإيتاء ذي القربى، أي بصلة الأرحام بالزيادة، والمودة، والعطاء والصدقة، والنفقة. هذه أمور ثلاثة يأمر بها.
وينهى عن ثلاثة أيضا: الفحشاء: أي الشيء المحرم كالزنى والسرقة وشرب المسكرات، وأكل أموال الناس بالباطل. وينهى عن المنكر: وهو ما قبحه الشرع والعقل الرشيد كالقتل، والأذى، واحتقار الناس. وينهي عن البغي: وهو ظلم الناس، والاعتداء عليهم. فالمأمورات الثلاثة: العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى.
والمنهيات الثلاثة: الفحشاء والمنكر والبغي. وكلها تجاوز حدود الشرع والعقل الرشيد. وتأكيدا للأمر والنهي، قال تعالى: يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أي يأمركم بالخير، وينهاكم عن الشر لتتعظوا وتتذكروا، وتعملوا بما فيه مرضاة الله تعالى.
ثم خصص الله بالذكر بعض المأمورات: وهو الوفاء بالعهد والميثاق، والحفاظ على الأيمان المؤكدة، وعهد الله: كل ما يجب الوفاء به، من التزام أحكام الإسلام، والوعود، وتنفيذ العقود والمشاركات والالتزامات. وأكد الله أمره بالوفاء بالعهد بالتحذير من نقض العهود وأيمان البيعة على الإسلام بعد توثيقها باسم الله، إن الله يعلم ويطلع على كل ما نفعله في العهود، من البرّ بها أو نقضها، أو محاولة تعديلها والالتفات على بنودها بالحيل.
ولا تكونوا أيها المؤمنون المعاهدون في إبرام الحلف أو العهد أو نقضه كالمرأة