الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بربه، فالواجب عبادة الله وحده واتقاؤه، والتماس الخير والنفع، ودفع الشر والضرر منه وحده دون غيره، ولا سيما في أوقات الأزمات والمحن، مع الحفاظ على نعمة الشكر لله دون كفران النعمة بعد توافرها، قال الله تعالى مبينا هذه الأصول:
[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 55]
وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (53) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55)
«1» «2» [النّحل: 16/ 51- 55] .
هذه الآيات نهي صريح قاطع من الله تبارك وتعالى عن الإشراك به، وتقرير واجب لمبدأ توحيد الله، والالتزام بمقتضياته من عبادته وحده، وشكره على نعمه وأفضاله. ومعناها: لا تتخذوا إلهين اثنين، وكلمة اثْنَيْنِ تأكيد للتنفير من التعدد، أي لا تتخذوا لي شريكا، ولا تعبدوا سواي، فمن عبد مع الله إلها غيره، فقد أشرك به، إنما الله إله واحد، ومعبود واحد، فإياه فارهبوا أيها البشر، وخافوا عقابه بالإشراك وعبادة سواه. ويكون المبدأ الأصيل في الدين: هو أن لا إله إلا الله، وأن العبادة لا يستحقها غيره.
ولما كان الإله الحق واحدا، والواجب لذاته في العبادة واحدا، كان كل ما سواه من الأشياء مما يعقل وما لا يعقل، حاصلا بخلقه وتكوينه وإيجاده، فلله جميع ما في السموات «3» والأرض ملكا وخلقا وعبيدا، فهو خالقهم ورازقهم، ومحييهم ومميتهم، وهم عبيده ومملوكوه، وله الدين واصبا، أي له الطاعة والانقياد والملك والعبادة على سبيل الدوام والاستمرار، وبعد أن عرفتم أن إله العالم واحد، وعرفتم
(1) أي له الطاعة والإخلاص دائما واجبا خالصا.
(2)
أي تضجون بالدعاء.
(3)
السموات هنا: كل ما ارتفع من الخلق في جهة فوق، فيدخل فيه العرش والكرسي.
أن كل ما سواه محتاج إليه في وقت إحداثه وفي وقت بقائه وحياته، فكيف يتقى غير الله أو يرهب غير الله تعالى؟! وإذا كان الواجب ألا يتقى غير الله، فالواجب ألا يشكر غير الله، لأنه ما من نعمة بنا من إيمان وسلامة جسد وعافية، ورزق ونصر ونحو ذلك، إلا وهي من الله عز وجل، ومن فضله وإحسانه.
ومفاد الآية: أن على العاقل ألا يخاف ولا يتقي أحدا إلا الله، وألا يشكر أحدا بحق إلا الله تعالى، لأن جميع النعم من الله عز وجل.
وإذا تعرض الناس لسوء أو ضرر في النفس من مرض أو خوف أو مشقة ونحو ذلك، فإلى الله يلجأون ويضجون بالدعاء والسؤال لتفريج الكرب وإزالة الهم، للعلم بأنه لا يقدر على إزالته إلا الله تعالى.
فإذا كشف الله الضر، وزال الخوف، وتحققت السلامة والنعمة، وانقسم الناس فريقين، فريق منهم بقي على الإيمان والشكر لله، وفريق نسي النعمة، فأشرك بالله غيره في العبادة. وهذا الفريق هم المشركون الذين يرون أن للأصنام أفعالا من شفاء المرضى وجلب الخير ودفع الضر، فهم إذا شفاهم الله مثلا من أمراضهم، عظموا أصنامهم، وأضافوا ذلك الشفاء إليها، وهذا مثار عجب واستغراب، فهم في الشدة يضرعون إلى الله، وفي الرخاء ينسون جانب الله سبحانه.
ويصير أمر هؤلاء المشركين الوقوع في الكفر والضلال، وإن لم يقصدوا بأفعالهم تلك أن يكفروا، والأظهر أن الكفر هنا كفر النعمة، لذا استحقوا الوعيد والتهديد، فقال الله لهم: فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أي اعملوا بما شئتم، وتمتعوا بما أنتم فيه قليلا في الحياة الدنيا، فسوف تعلمون عاقبة تمتعكم، وما ينزل بكم من العذاب، وتدركون حينئذ سوء ما أنتم عليه. وهذا الأمر المراد به التهديد كثير في آيات القرآن