الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصّة أصحاب الأيكة وأصحاب الحجر
تتوالى الإنذارات والتحذيرات للناس حتى يؤمنوا، ويتخلّوا عن الكفر، وتتكرر أحداث قصص الأنبياء مع أقوامهم الغابرين، ليعلم الجاحدون الكافرون أن العذاب والعقاب الدّنيوي والأخروي سينزل بهم دون شفقة ولا هوادة، وليتّعظ العقلاء من تلك الأحداث الرّهيبة، فيبادروا إلى إعلان إيمانهم بالله الواحد الأحد، ويستقيموا على الجادة المستقيمة، فيظفروا بعزّ الدنيا وسعادة الآخرة. وهاتان قصّتان متعاقبتان بعبارات موجزة لتحقيق العبرة من أقرب الطرق، وهما قصّتا أصحاب الأيكة قوم شعيب، وأصحاب الحجر قبيلة ثمود قوم صالح. قال الله تعالى:
[سورة الحجر (15) : الآيات 78 الى 86]
وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (79) وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (81) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (82)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (84) وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَاّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَاّقُ الْعَلِيمُ (86)
«1» «2» «3» [الحجر: 15/ 78- 86] .
القصة الأولى في هذه الآيات: قصة أصحاب الأيكة وهم قوم شعيب علما بأن مدين وأصحاب الأيكة بعث الله إليهما شعيبا عليه السلام، لقد كان هؤلاء القوم ظالمين بشركهم ووثنيتهم، وقطعهم الطريق، ونقصهم المكيال والميزان، فعاقبهم الله، وانتقم منهم جزاء كفرهم وظلمهم، بيوم الظّلّة: وهو تسليط الحرّ عليهم سبعة أيام، ثم أرسل الله عليهم سحابة، فاستظلّوا تحتها، فاضطرمت عليهم نارا،
(1) الأيكة: الغيضة والشجر الملتفّ المخضّر، ومن شجر السّدر ونحوه.
(2)
أي بطريق واضح، وإنهما: يعود الضمير على قرى قوم لوط والأيكة.
(3)
أصحاب الحجر: هم ثمود، والحجر: واد بين المدينة والشام، كانوا يسكنونه.
فأحرقتهم. قال الطبري: بعث شعيب إلى أمّتين كفرتا، فعذّبهم الله بعذابين مختلفين:
أهل مدين عذّبوا بالصيحة، وأصحاب الأيكة عذّبوا بالظّلّة.
وإن كلّا من قرى قوم لوط، وبقعة أصحاب الأيكة، لبطريق واضح، يسلكه الناس في سفرهم من الحجاز إلى الشام. وكلمة (إمام) أي الشيء الذي يهتدى به ويؤتم، كخيط البناء، والطريق، والكتاب المفيد، أو قياس الصانع، أو الرجل المقتدى به.
وقوله تعالى: وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ أي إنّ، فكلمة (إن) هنا هي المخففة من الثقيلة على مذهب البصريين.
والقصة الثانية في هذه الآيات: هي قصة أصحاب الحجر، والحجر مدينتهم، وهي ما بين المدينة وتبوك، لقد كذبوا رسولهم ثمود، وعبّر عنه بكلمة الْمُرْسَلِينَ لأن تكذيب رسول واحد تكذيب الجميع لاتّفاق أصول دعوتهم في التوحيد وعبادة الله، ومكارم الأخلاق والفضائل، وتجنّب الرّذائل.
وكان قوم ثمود ممن أنعم الله عليهم، فأعطاهم من الآيات والدلائل ما يدلّهم على صدق نبوّة صالح عليه السلام، كالناقة التي أخرجها الله من صخرة صماء، بدعاء صالح عليه السلام، فأعرضوا عنها، ولم يعتبروا بها، وبادروا إلى عقرها.
وكانت لهم بيوت ينحتونها في الجبال، صاروا بها آمنين من الأعداء، من غير خوف، لقوّة إحكامها، وهي ما تزال مشاهدة على الطريق إلى تبوك.
فلما عتوا عن أمر ربهم، وبغوا، وعقروا الناقة، أخذتهم صيحة الهلاك في وقت الصباح، من اليوم الرابع للإنذار بالعذاب، كما قال الله تعالى: تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ [هود: 11/ 65] .
فما نفعتهم الأموال والديار حين حلّ بهم العذاب، ولم يستفيدوا من مكاسبهم