الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقته. والموعد: وقت العذاب. والمراد: إنا عجلنا هلاكهم، ومع ذلك حددنا له وقتا، رجاء أن يتوبوا.
هذه الآيات الكريمة تتضمن علاقة الإنسان بربه، فهي علاقة ودّ، ومغفرة، ورحمة إن أحسنوا العمل، وآمنوا بالله ورسوله وكتبه واليوم الآخر، وكذا إن تلكؤوا عن الإيمان، فيمهلهم الله، وإن الله يمهل ولا يهمل.
والعقاب مبدؤه وغايته: الإصلاح والهداية، والناس هم الظلمة لأنفسهم إذا عطّلوا وسائل الإيمان والهداية والمعرفة، فلم تتفتح قلوبهم لنور الهداية القرآنية، وأصاخوا السمع والأذن لآيات الله الكونية والحياتية.
والدليل من التاريخ: واقع وملموس، فقد أهلك الله أهل المدن الظالمة الذين لم يستجيبوا لدعوة الرسل، واقتضت الرحمة الإلهية إمهالهم لموعد معين، حتى يؤمنوا، وذلك منتهى العدل والفضل الإلهي.
لقاء موسى عليه السلام مع الخضر العبد الصالح
في التاريخ عجائب الحوادث والقصص، ومن هذه العجائب: قصة موسى عليه السلام مع الخضر العبد الصالح، التي تعلّمنا كيف يتعلم الأكبر والأعلم من الأصغر والأقل منه رتبة، فإن موسى عليه السلام كليم الله، مع كثرة علمه وعمله، أمره الله أن يصحب العبد الصالح وهو الخضر، في رحلة استطلاعية وجولة ميدانية، تدل على أن التواضع خير من العجب والكبر. وهذه هي بداية القصة في الآيات التالية:
[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 70]
وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (60) فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (61) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (62) قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَاّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (63) قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (64)
فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (65) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (69)
قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (70)
«1» «2»
(1) ملتقاهما.
(2)
الحقب: جمع حقبة، وهي زمان من الدهر غير محدود، أي أسير زمانا طويلا.
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» [الكهف: 18/ 60- 70] .
سبب هذه القصة فيما
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لدى البخاري ومسلم: أن موسى عليه السلام جلس يوما في مجلس لبني إسرائيل، وخطب فأبلغ، فقيل له: هل تعلم أحدا أعلم منك؟ قال: لا، فأوحى الله تعالى إليه: بلى، عبدنا خضر، فقال: يا رب، دلّني على السبيل إلى لقيّه «9» ، فأوحى الله تعالى إليه أن يسير بطول سيف البحر، حتى يبلغ مجمع البحرين، فإذا فقدت الحوت، فإنه هنالك، وأمر أن يتزود ويرتقب زواله عنه، ففعل موسى ذلك، وقال لفتاه على جهة إمضاء العزيمة: لا أبرح السير (أي لا أزال) .
وإنما قال هذه المقالة، وهو سائر.
ومجمع البحرين: إما في أرض فارس من وراء أذربيجان، وإما عند طنجة أو بأفريقية أو حيث يجتمع بحر ملح وبحر عذب.
هذه قصة ثالثة في سورة الكهف بعد قصة أصحاب الكهف، وصاحب الجنتين والأموال، وكلها تلتقي في التزهيد بالدنيا ونبذ الافتخار والإيمان بالله واليوم الآخر.
(1) السرب: كالنفق.
(2)
تعبا وعناء.
(3)
أخبرني.
(4)
التجأنا. [.....]
(5)
اتخاذا يتعجب عنه.
(6)
الذي كنا نطلبه.
(7)
رجعا يتبعان آثارهما.
(8)
الخبر: العلم بالشيء، والخبير: العالم بخفايا الأمور.
(9)
أي لقائه واستقباله.
ومضمونها: اذكر أيها النبي حين قال موسى لفتاه: لا أزال سائرا حتى أصل إلى المكان الذي فيه مجمع البحرين، ولو سرت حقبا، أي دهرا من الزمان، ثمانين أو سبعين سنة، والمراد: زمانا غير محدود. وموسى: هو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل، وفتاه: هو يوشع بن نون بن أفرائيم بن يوسف عليه السلام، وكان خادما لموسى، ومجمع البحرين في رأي الأكثرين: بحر فارس والروم، أي ملتقى البحر الأحمر بالمحيط الهندي عند باب المندب.
فلما وصل موسى وخادمه (فتاه) مجمع البحرين، مكان اللقاء بالعبد الصالح، نسيا حوتهما (وهو السمك) حيث عاد الحوت حيا، واندس في سرب (نفق) من الماء، فكان لموسى وفتاه عجبا، وكانت عودة الحوت حيا معجزة لموسى عليه السلام.
ولما تجاوز موسى وفتاه يوشع مجمع البحرين، حيث نسيا الحوت فيه، وسارا بقية اليوم والليلة، وفي ضحوة الغد أحس موسى بالجوع، فقال لفتاه: آتنا غداءنا، لقد لقينا تعبا من ذلك السفر.
فأجابه فتاه: أرأيت، أي أخبرني عما حدث لي، حين لجأنا إلى الصخرة في مجمع البحرين؟ فإني نسيت أن أخبرك بما حدث من قصة الحوت، فإنه اضطرب، وعاد حيا، وسقط في البحر، وما أنساني ذكر ذلك إلا الشيطان، واتخذ الحوت مسلكه في البحر عجبا.
قال موسى: هذا هو الذي نطلب لأنه علامة الفوز بما نقصد. فرجعا على طريقهما يقصان آثار مشيهما، فوجدا عند الصخرة في مجمع البحرين عبدا صالحا من عباد الله، وهو الخضر في رأي الأكثرين. وكان مسجى بثوب أبيض. فسلّم عليه موسى، وكان قد علّمه الله من لدنه علما من غير وساطة معلم بشر.
فطلب موسى من الخضر أن يصحبه ويرافقه ليتعلم منه شيئا يسترشد به في أمره،