الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا تخيفهم أهوال القيامة، بعد قيامهم من قبورهم للحساب، إلى أن يصلوا إلى الجنة، وتستقبلهم الملائكة بالسلام عليهم، والتبشير لهم، قائلين لهم: هذا يومكم الذي وعدتم فيه الثواب والنعيم، إنه يوم المسرة الأكبر، ويوم الثواب والفرحة الأعظم، ويوم الحسنى، والحسنى: الرحمة وحتمية التفضيل.
ألا ما أعظم الفرق الشاسع بين مصير هؤلاء السعداء، فهم المخلّدون في النعيم، المتمتعون بأطيب وأحسن الأحوال، وأما أولئك الأشقياء فعلى العكس من ذلك تماما، إنهم مخلدون في الجحيم، وفي أسوأ الأحوال، وأتعس الأوصاف والأوضاع.
طي السماء وإرث الأرض
في يوم القيامة تتبدى عجائب، وتظهر أحوال خطيرة، تنبئ عن عظمة القدرة الإلهية، وتذهل منها العقول والأفكار، من هذه العجائب تبدّد السماوات وطيّها كطي سجل الكتاب، وتغيّر الأرض تغيرا غير منتظر، وسرعة الحساب، وتقرير مصير الخلائق على نحو غريب، وسوق الناس إلى مصائرهم سوقا سريعا، إما إلى جنة عرضها السماوات والأرض، وإما إلى نار محرقة تتلظى بها الجلود، وتحترق بها الأكباد والقلوب، وهذا ما أخبرت عنه الآيات الآتية:
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 104 الى 106]
يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (104) وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (106)
«1» «2» «3» «4» «5» [الأنبياء: 21/ 104- 106] .
(1) الصحيفة.
(2)
على ما كتب فيها.
(3)
الكتب المنزّلة.
(4)
اللوح المحفوظ.
(5)
كفاية.
إن الملائكة الكرام تستقبل وفود أهل الإيمان، وتتلقاهم مبشرين مهللين، يوم يطوي الله تعالى السماء، بواسطة ملك كما يطوى السجل، أي الصحيفة المخصصة للكتابة، وهذا الطي كائن حتما، يوم يعيد الله الخلائق بالبعث خلقا جديدا، كما بدأهم في أول مرة، والله وحده هو القادر على إعادتهم، إنه وعد لا يتخلف، والله قادر على فعل ذلك الطي بيسر وسهولة، كما جاء في آية أخرى:
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)[الزمر: 39/ 67] .
أما تبدل السماوات والأرض، فجاء الخبر عنه في قوله سبحانه: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (48)[إبراهيم: 14/ 48] .
وقوله سبحانه: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ يحتمل معنيين كما ذكر ابن عطية في تفسيره:
أحدهما: أن يكون خبرا عن البعث، أي كما اخترعنا الخلق أولا على غير مثال، كذلك ننشئهم تارة أخرى، فنبعثهم من القبور.
والثاني: أن يكون خبرا عن أن كل شخص يبعث يوم القيامة على هيئته التي خرج بها إلى الدنيا.
ثم أخبر الله تعالى عما قضاه وقدره لعباده الصالحين من سعادة الدنيا والآخرة ووراثة الأرض، فذكر سبحانه أنه قضى قضاء محتما في كتاب الزبور، بعد التوراة أو القرآن: أن وراثة الأرض في الدنيا والآخرة لا تكون على الدوام والاستقرار إلا لعباد الله الصالحين وهم المؤمنون العاملون بطاعة الله تعالى. والذكر: إما التوراة كما قالت فرقة، أو القرآن وهو قول ابن عباس، أو اللوح المحفوظ، والزبور: إما ما