الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بتربيتهما لي في حال الصغر. وهذا التذكير بتربية الصغر مما يزيد الإنسان إشفاقا وحنانا عليهما.
ثم حذر الله تعالى من التهاون في بر الوالدين، فقال: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ أي إن المطلوب من الولد هو البر ظاهرا وباطنا، حقيقة وفعلا، لا رياء ومجاملة ظاهرية، والعبرة بما في القلب من الإخلاص في الطاعة، لأن الله مطلع على ما في النفوس، وهو سبحانه أعلم بأحوال الولد في البر، والوعد للأولاد بغفران الذنوب في حال البر: مشروط بشرط الصلاح والرجوع (أو الأوبة) إلى طاعة الله، فإنه سبحانه كثير المغفرة للتائبين الراجعين إلى الخير، العادلين عن المعصية إلى الطاعة، وإلى ما يحبه الله ويرضاه، والمقصود من الآية: التحذير من ترك الإخلاص.
منهاج الإنفاق على القرابة والمحتاجين والأسرة
الإسلام دين التوسط والرحمة والاعتدال في النفقة على النفس والقريب والأهل والمحتاجين، فلا يصح البخل والتقتير، ولا الإسراف والتبذير، وليعتمد الإنسان على رزق الله الذي لا ينقطع ولا ينفد، وليتكل على الله الذي لا يضيع أحدا من خلقه وعباده، إذا أحسنوا العمل وقاموا بالكسب والسعي، ولم يعطلوا مواهبهم في الإنتاج والبحث واكتشاف خزائن الأرض، والإفادة من خيرات السماء، قال الله عز وجل مبينا دستور الإنفاق على القرابة والمحتاجين والأهل جميعا:
[سورة الإسراء (17) : الآيات 26 الى 30]
وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (28) وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (30)
«1» «2» «3» «4» [الإسراء: 17/ 26- 30] .
نزلت الآيات في كل من كان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم من المساكين، وتأمره بالإنفاق من غير تقتير ولا بسط يد، فموضوعها الإحسان إلى ذوي القرابة والمساكين وأبناء السبيل، والاعتدال في الإنفاق من غير إقلال ولا إسراف.
ومطلع الآية الأولى: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وصية للناس كلهم بصلة قرابتهم، خوطب بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، والمراد الأمة. وإيتاء حق القرابة: ما يتعين له من صلة الرحم، وسدّ الخلّة، والمواساة عند الحاجة بالمال، والمعونة بكل وجه. وعطف على القرابة: المسكين ومثله الفقير، وهما لا يجدان الكفاية، وابن السبيل وهو هنا يعم الغني والفقير، إذ لكل واحد منهما حق، وإن اختلفا في مدى العطاء، وابن السبيل في آية الصدقة أو الزكاة: أخص.
وتنهى الآية عن التبذير: وهو إنفاق المال في وجوه الفساد، أو الإسراف في المباحات، فالإسراف مذموم، والمطلوب: التوسط والاعتدال في الإنفاق، وهي سياسة الإسلام المالية والاجتماعية والدينية، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67)[الفرقان: 25/ 67] .
ثم نبّه الله تعالى على قبح التبذير، جاعلا المبذرين المنفقين أموالهم في المعاصي يشبهون الشياطين، فهم قرناء المبذرين في الدنيا والآخرة، في الصفة والفعل، وكان الشيطان لنعمة ربه جحودا لأنه أنكر نعمة الله عليه، ولم يعمل بطاعته، بل أقبل
(1) كناية عن الشح.
(2)
كناية عن التبذير والإسراف. [.....]
(3)
نادما.
(4)
يضيقه على من يشاء.
على معصيته ومخالفته، والتبذير كما ذكرت: النفقة في معصية، لا في مباح، قال مجاهد: لو أنفق الإنسان ماله كله في حق لم يكن تبذيرا، ولو أنفق مدا في باطل كان تبذيرا.
ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية، إذا سأله أحد من المساكين وبني السبيل، فلم يجد عنده ما يعطيه، واستحى من التصريح بالرد بسبب الفقر والقلة، وأعرض عنه تأدبا منه، في أن يرده تصريحا، وانتظارا لرزق من الله تعالى يأتي، فيعطي منه، ويعده وعدا حسنا، ويؤنسه بالقول الميسور: وهو عقد الرجاء على فضل الله، والتأنيس بالميعاد الحسن، والدعاء بتوسعة الله تعالى وعطائه.
روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول كما ذكر القرطبي 10/ 249 بعد نزول هذه الآية- إذا لم يكن عنده ما يعطي-: «يرزقنا الله وإياكم من فضله» .
فالمراد من الرحمة في آية ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ: الرزق الحسن.
وسياسة الإنفاق من الأموال: هي القصد والاعتدال، فلا تجعل أيها النبي، وكل إنسان، يدك مغلولة إلى عنقك، أي تمسكها عن الإنفاق، وتبخل على نفسك وأهلك في وجوه صلة الرحم وسبيل الخيرات، ولا تسرف ولا تتوسع في الإنفاق توسعا مفرطا، فتعطي فوق طاقتك، فتقع في الملامة والحسرة والندم، حين لا تجد في يدك شيئا.
ثم أبان الله تعالى منهاج المدد الإلهي ورزق العباد، مخاطبا رسوله: كن أنت يا محمد على ما رسم لك من الاقتصاد والاعتدال، ولا يهمنك فقر من تراه فقيرا، فإنه بمرأى من الله وبمسمع وبمشيئة، فإنه تعالى يبسط الرزق لمن يشاء، ويضيّقه (يقدر) على من يشاء، ويغني من يشاء، ويفقر من يشاء، لما له من الحكمة في ذلك، يعلم مصلحة قوم في الفقر، ويعلم مصلحة آخرين في الغنى.