الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والهوان. وما كان أسعدهم وأنفعهم لمجتمعهم لو أخذوا بأيديهم نحو القيم العليا، فأقرّوا بتوحيد الله، والتزموا الأخلاق السوية، وتسبّبوا في إمداد الله لهم بالنّعم الوفيرة، والخيرات الكثيرة، فاستحقّوا البقاء والعزّة والتّفوق، وكانوا أمثولة الأمم والشعوب.
وفي القرآن الكريم بيان لنهاية أقوام عتاة، تمرّدوا على أنبيائهم، ومن أشهرهم قبيلة عاد قوم هود، الذين عادوا رسولهم وأعرضوا عن دعوته، قال الله تعالى واصفا موقفهم العنيد ونهايتهم السّيئة:
[سورة هود (11) : الآيات 57 الى 60]
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)
«1» «2» «3» «4» [هود: 11/ 57- 60] .
يمتلئ قلب النّبي عادة بعاطفة الحبّ لقومه، مريدا لهم الهداية، ويكون مهموما مغموما إذا أعرضوا عن رسالته، منكّد العيش، كاسف (عابس) الوجه، حزين البال (القلب أو الحال) . وهذا ما نراه في نفس هود عليه السلام فإنه قال لقومه: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ.. أي إن تتولّوا وتعرضوا عما جئتكم به من عبادة الله ربّكم وحده لا شريك له، فقد بلّغتكم رسالة ربّي التي بعثني بها إليكم، وبقدرة الله أن يهلككم ويستخلف قوما غيركم في دياركم وأموالكم، ويكونون أطوع لله منكم، ولا تضرّونه شيئا بتولّيكم وكفركم، بل يعود وبال ذلك عليكم، ولا تضرّونه شيئا، وإنما تضرّون أنفسكم، إن ربّي على كل شيء رقيب، مهيمن عليه، فما تخفى عليه أعمالكم، ولا يغفل عن مؤاخذتكم.
(1) شديد.
(2)
متعاظم. [.....]
(3)
معاند للحق.
(4)
هلاكا لهم.
وتحقق ما توعّدهم به هود، ونزل العذاب بهم، ولما حان وقت نزول أمر الله بالعذاب، ووقع العذاب فعلا، وهو تدميرهم بريح صرصر عاتية، نجى الله هودا والمؤمنين معه من عذاب شاق شديد، برحمة من الله ولطف، وأهلك الله القوم الظالمين، فجعل ديارهم- عاليها سافلها، ودمّرت الريح كل شيء من منازل القوم وممتلكاتهم.
وأسباب ذلك العقاب الشامل ثلاثة أمور: هي جحود عاد دلائل المعجزات على صدق نبيّهم هود، وأدلّة المحدثات المخلوقات على وجود الصانع الحكيم، وعصيان رسولهم، ومن عصى رسولا واحدا، فقد عصى جميع الرّسل، لذا قال تعالى:
وَعَصَوْا رُسُلَهُ. وتقليدهم رؤساءهم واتّباعهم أوامر كل جبّار عات، عنيد مكابر.
ولم يقتصر العقاب على الإهلاك والتدمير، وإنما أتبعوا في الدنيا وفي الآخرة لعنة دائمة، واللعنة: الإبعاد والخزي، فلحقتهم لعنة الله وعباده المؤمنين في الدنيا كلما ذكروا، وتجوز لعنة الذين ماتوا على الكفر، ولا يلعن معين حي، لا من كافر ولا من فاسق ولا من بهيمة، وكل ذلك مكروه بالأحاديث. وينادى عليهم يوم القيامة على رؤوس الخلائق: ألا إن عادا كفروا بربّهم وبنعمه، وجحدوا بآياته، وكذبوا رسله، ألا بعدا وطردا من رحمة الله لعاد قوم هود. فعلّة لعنهم هي كفرهم بربّهم، وهذا دعاء عليهم بالهلاك والدّمار والبعد عن الرحمة.
لو علم هؤلاء قبل هذه النهاية الوخيمة ما يحلّ بهم، لفكّروا وراجعوا حسابهم، وأصلحوا أمورهم، وصحّحوا عقائدهم، واستقاموا على أمر الله ربّهم. وإذا لم يفعلوا كانوا حمقى، ولم يكونوا مأسوفا عليهم، لقد طواهم التاريخ، وأنهى ذكرهم إلا من طريق التذكير والاعتبار للأجيال اللاحقة بهم، حتى لا يتورّطوا بمثل ما فعلوا، فيعاقبوا بمثل ما عوقبوا. وهذه هي الفائدة والعبرة التي نستفيدها من تكرار تلاوة الآيات القرآنية في شأنهم إلى يوم القيامة، لنعلم علم اليقين أن الجزاء العادل