الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسلام دين الحق
أبان القرآن المجيد في سورة يونس أسس الدين العامة، وعقائده الكبرى التي طالب بها مشركي العرب والناس جميعا إلى يوم القيامة، من توحيد الله تعالى، وإثبات البعث والجزاء، والوحي والنّبوة والرّسالة، وما شملته من هداية وخير للبشرية جمعاء، لأن القرآن أكمل الله به النعمة وأتم به الدين، وأصبح هو منار الطريق مدى الدهر، وهذه هي خاتمة سورة يونس، كما قال تعالى:
[سورة يونس (10) : الآيات 108 الى 109]
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (109)
[يونس: 10/ 108- 109] .
تعددت شرائع الله تعالى وبيّناته، ورسالاته ونبواته، منذ عهد آدم عليه السلام إلى خاتمة الشرائع، وانتهاء النّبوات، في نبوة ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم والكتاب الذي أنزل عليه من ربّه في مدى ثلاث وعشرين سنة، وكان القصد من هذه الشرائع إسعاد البشرية وإنقاذها من الضّلالة إلى النور، وتقرير مبدأ وحدانية الله، وإثبات عالم المعاد والآخرة، وما فيها من جنة ونار، عن طريق ظاهرة الوحي.
وهاتان الآيتان قرار نهائي حاسم، خاطب الله بهما جميع الناس والجنّ إلى يوم القيامة أبد الدهر، والمعنى الواضح منهما: قل أيها الرّسول للناس قاطبة، من حضر ومن يأتي: قد جاءكم الحقّ المبين من ربّكم، يبيّن حقيقة هذا الدين، وكمال هذه الشريعة، على لسان رجل منكم، بلسان عربيّ مبين.
أمر الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يخبر الناس أن الذي جاءهم به من عند الله تعالى هو الحقّ الذي لا شكّ ولا شبهة ولا ريب فيه.
والحق هو القرآن والشّرع الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربّه. فمن اهتدى أي اتّبع
الحق وأذعن له، وصدّق بالقرآن ورسول الله، فإنما يهتدي لنفسه ويسعى لها، أي يعود نفع عمله وثواب اهتدائه واتّباعه على ذاته، ويجد خير رشده في مصيره وآخرته لأنه يوجب لها رحمة الله ويدفع عذابه.
ومن ضلّ، أي حاد عن طريق الحق، ولم ينظر بعين الحقيقة، وحاد عن منهج الله، وكفر بربّه عز وجل، فإنما يضلّ على نفسه، أي يرجع وبال عمله عليه. والدنيا مزرعة الآخرة، فمن زرع نباتا حسنا استفاد منه، ومن زرع نباتا سيّئا، حصد منه الشّر والضّرر.
ثم يؤكد القرآن عنصر الإرادة والاختيار وترك الإجبار في قوله تعالى لرسوله:
وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ أي وما أنا بموكل بكم من عند الله بأموركم حتى أجعلكم مؤمنين، وأكرهكم أو أجبركم على الإيمان، وإنما أنا نذير منذر لكم عذاب الله لمن أعرض وكذب، وبشير أيضا، أي مبشّر من اهتدى، والهداية على الله تعالى.
والرسول مجرّد مبلّغ وحي ربّه، لا يأتي بشيء من عند نفسه، لذا تعدد الأمر القرآني لرسوله بأن يعلن أنه ما عليه إلا البلاغ، وأنه مأمور بالتبليغ، وهنا قال الله له: وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ.. أي اتّبع يا محمد ما أنزل الله عليك، وأوحاه إليك عن طريق جبريل، وتمسّك به أشدّ التّمسّك، واصبر على دعوتك وأذى قومك ومخالفة من خالفك من الناس المعاندين والمستكبرين، حتى يحكم الله، أي يقضي بالفصل بينك وبينهم، أي المكذّبين من قومك، فينصرك الله عليهم ويحقق لك الغلبة، وهو خير الحاكمين، أي أعدل الحكام وأحكمهم، يقضي بالعدل التام والحكمة الصحيحة، والواقع الحقيقي. وقد أنجز الله وعده لنبيّه صلى الله عليه وسلم، فنصره مع الجند المؤمنين، على تكتّلات المشركين العرب ومؤامراتهم، واستخلف الله أهل الإيمان في الأرض، وجعلهم الأئمة الوارثين.
وفي هذا الكلام تسرية عن هموم النّبي صلى الله عليه وسلم مما لقيه من أذى قومه، ووعد له وللمؤمنين بأن يغلّبهم وينصرهم، ووعيد للأعداء الكافرين بأن يخذلهم ويهزمهم، ويطوي صفحتهم من التاريخ إلى الأبد.