الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحراسته وحفظه، تحميه من الموت، وتمنعه من السوء أو المكروه، وليس للآلهة المزعومة من الأصنام وغيرها قدرة على حفظ شيء من الضرر، أو جلب شيء من النفع، وهذا لون من المقارنة، لحمل المشركين الوثنيين على الإيمان بوحدانية الله وقدرته، وترك عبادة من لا قدرة ولا إرادة له أصلا، قال الله سبحانه:
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 42 الى 44]
قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43) بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (44)
«1» «2» [الأنبياء: 21/ 42- 44] .
هذا لون من تقريع المشركين الذين لا يتفكرون بأدلة الإيمان، ولا يتركون عبادة الأصنام، فقل يا محمد لهؤلاء الكفرة المستهزئين بك وبما جئت به، الكافرين بذكر الرحمن، الجاهلين به، قل لهم على جهة التقريع والتوبيخ: من يحفظهم؟ ومن الذي يحرسهم بالليل في نومهم، وبالنهار في عملهم، من بأس الله وعذابه إن أتاهم؟ بل إن هؤلاء المشركين- على الرغم من وجود الأدلة الكثيرة العقلية والمادية الدالة على فضل الله ونعمته بالحفظ- معرضون عن تلك الأدلة.
ثم وبخهم الله سبحانه على عبادتهم آلهة لا تضر ولا تنفع، فهم يظنون أن آلهتهم العاجزة عن كل شيء، تمنعهم من عذاب الله، والواقع لا يمنعهم أحد من بأس الله إلا الله، وتلك الآلهة لا يتمكنون من نصر أنفسهم، ولا دفع الضر عنهم، ولا هم يجأرون ويمنعون، بل يخضعون لسلطان الله فيهم، لأنهم في غاية العجز والضعف، فكيف ينصرون غيرهم، ويدفعون الضر عنهم أو يجلبون النفع لهم؟! بل إن الذي غرهم وأوقعهم في الضلال أن الله متّع المشركين بالنعم الكثيرة، في
(1) يحفظكم.
(2)
ينصرون ويمنعون.
الدنيا كما متّع آباءهم، حتى طال عليهم العمر فيما هم فيه، فاعتقدوا أنهم على شيء، والحقيقة أنهم مع مرور الزمان في غفلة، حتى اغتروا بنعم الله، ونسوا شكرها، ثم وعظهم الله بعظة بليغة تتعلق بمواضع العبرة في الأمم والبشر، وهذه العظة مضمونها: أفلا يرون رأي العين التي تتبعها رؤية القلب ما يتعرض له بعض معمور الدينا وأطرافها من خراب، وحال بعض البشر من نقص وموت، فيكون المراد حينئذ أهل الأرض. وحقيقة توبيخهم هي: أهم يغلبون من غلب جميع أهل الأرض، وقهر الكل بسلطانه وعظمته؟ أي إن ذلك محال بيّن، بل هم مغلوبون مقهورون.
وفي قوله تعالى: نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها إشارة واضحة إلى التقلبات والأحداث التي تطرأ على أحوال الدنيا، أو تصف وجود الكرة الأرضية، أما التقلبات: فهي التي تحدث في أثناء الفتوحات، حيث تمتد رقعة شعب، وتضيق رقعة شعب آخر، ففي الماضي كانت تتقلص أراضي المشركين المعتدين بفتح المسلمين لها، واتساع نفوذهم، فيكون المسلمون بإرادة الله وقوته هم الغالبين، والمشركون هم المغلوبين وفي هذا عبرة للمعتبر. وأما حال الأرض: فهي كما أثبت العلماء المعاصرون غير تامة التكوير والاستدارة، وإنما هي مفلطحة، وهو ما يعبر عنه بالخط الإهليجي في القطب الشمالي والجنوبي، مما يدل على وجود صانع مدبر، هو الإله ذو القدرة النافذة، والسلطان المطلق، يتحكم في الأرض أثناء دورانها، ويخلق الله ما يشاء، ويحكم بما يريد.
وليتأمل الإنسان قول الله تعالى: أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ معناه بالقدرة والبأس، والأرض عامة في الجنس. كما يتأمل نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أي من جوانبها لا من وسطها، ويراد به: إما ما يخرب من المعمور، فذاك بعض الأرض، وإما أن