الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تدبيرا محكما، وجزاء عدلا على أفعالكم، قبل أن تدبروا مكيدة أو خطة لإطفاء نور الإسلام، وكل آت قريب، إن رسلنا وهم الملائكة الحفظة الكرام يكتبون أو يسجّلون جميع ما تفعلونه وتدبرونه، أو تخطّطون له، ويحصونه عليكم، ثم يعرضونه على الله عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، فيجازي كل واحد على فعله بما يستحق.
مقابلة النّعمة بالجحود
يختلف الناس في تقدير نعمة الله الخالق عليهم، فالمؤمن يشكر الله تعالى على أفضاله ونعمه الكثيرة في الحياة والصحة والرزق والجاه والمال، والكافر أو المشرك يقابل النعمة بالجحود، ويتنكر للمعروف، وينسى ما تفضّل به الله عليه من نجاة بعد خوف، وأمن بعد قلق، وعافية بعد مرض، وغنى بعد فقر، وعزّ بعد ذلّ. والشأن في الإنسان السّوي المنصف أن يقرّ بهذه الأفضال الإلهية، ويشكر المنعم في جميع الأحوال. قال الله تعالى واصفا حال الجاحدين المتنكّرين للجميل والخير:
[سورة يونس (10) : الآيات 22 الى 23]
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)
«1» «2» »
[يونس: 10/ 22- 23] .
هذه الآية تتضمن تعداد النّعم على الناس، ثم تزجرهم عن الجحود وتذمّ بغيهم وتجاوزهم الحدود، ومن أعظم النعم تحقيق الأمن بعد الخوف، والنّجاة من المخاطر
(1) شديدة الهبوب.
(2)
أحدق بهم الهلاك.
(3)
يفسدون ويظلمون
.
بعد التعّرض لها، فالله تعالى هو الذي يمكّن الناس من السير وتجاوز المسافات في البر والبحر بوسائط النقل المعروفة، من الدّواب والبواخر والسيارات والطائرات والقطارات، وتلك نعم جليلة، حتى إنه إذا كان الناس راكبين في السّفن الشراعية وجرت فوق الماء بريح هادئة لينة، ثم تعرّضت للاضطرابات ومخاطر الغرق بتغيّر الريح واشتدادها، فتهبّ عاصفة قوية، ويعتقد الركاب أنهم غارقون هالكون بسبب الأعاصير والأمواج العاتية التي تحيط بهم من كل جهة، في تلك الحالة الرهيبة لا يجد الركاب ملجأ إلا الله، فيتّجهون إلى دعائه مخلصين له الدعاء والعبادة والتّضرع، ولا يتّجهون لغير الله ربّهم، ويقولون بصدق وحرارة وإخلاص: لئن أنجانا الله من هذه المخاطر والدّواهي لنكونن من جماعة الشاكرين نعمة الله، الموحّدين له، العابدين إياه. ولكن سرعان ما يتبدل الموقف، وينقض هؤلاء الركاب العهد أو الوعد، فحينما ينجيهم الله من تلك الورطة، وينقذهم من خطر الغرق أو الهلاك، إذا هم يعودون إلى سيرتهم الأولى، من نكران وجود الله وتوحيده، والوقوع في الظلم والبغي، والعصيان والفسوق، كما جاء في آية أخرى: وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (67)[الإسراء: 17/ 67] .
ثم زجر الله أهل البغي والإسراف، والجحود والإنكار، والمعصية والضّلال، فقال سبحانه: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أي إنما وبال هذا البغي وجزاؤه وإثمه على أنفسكم في الدنيا والآخرة، ولا تضرّون به أحدا غيركم، تتمتعون في الدنيا متاعا زائلا لا قرار له، من توبيخ الضمير والوجدان، أو التعرض لأنواع البلايا والأمراض والقلاقل أو الخسران في نهاية الأمر، وفي الآخرة أيضا جزاء محقق على البغي والانحراف، لأن مصير جميع الخلائق ومآلهم إلى الله يوم القيامة، فيخبرهم