الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نجاة إبراهيم عليه السلام من النار المحرقة
لقد بذل النمروذ وأتباعه أقصى ما في وسعهم من التنكيل بإبراهيم الخليل عليه السلام، من أجل التخلص منه، بإلقائه في نار عظيمة شديدة الإحراق، بسبب فعله الخطير في تقديرهم وهو تكسير الأصنام، ونقاشه الجادّ الذي يؤكد فعله، ويرمي به إلى إقناعهم بعدم جدوى عبادة الصنم من حجر أو غيره، وأن على القوم أن يفكروا تفكيرا جدّيا صحيحا في شأن عبادة الأصنام، فيرفضوها، ويبادروا إلى اتباع ملة إبراهيم الحنيفية، ملة التوحيد الخالص لله عز وجل. ولكنهم لم يصغوا لنداء العقل، وظلّوا في عنادهم، فأعدوا النار العظيمة لإحراق إبراهيم عليه السلام، ولكن الله عز وجل نجاه منها، وحماه من تأثيرها، فخرج منها كالخارج من الحمام، قال الله تعالى واصفا هذا الحدث العظيم:
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 66 الى 70]
قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (67) قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (68) قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (69) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)
«1» [الأنبياء: 21/ 66- 70] .
أعلن إبراهيم عليه السلام موقفه الصريح بعد جدال قومه له في حادثة تكسير الأصنام، وقال لهم لما اعترفوا بأن تلك الآلهة لا تنطق: أتعبدون بدلا عن الله أشياء لا تنفعكم في الواقع إذا تأملتم بها خيرا، ولا تضركم شيئا إذا عاديتموها أو خفتم منها؟! أُفٍّ لَكُمْ أي تّبا لكم، وقبحا لآلهتكم، أَفَلا تَعْقِلُونَ أي أفلا تتدبرون ما أنتم فيه من الضلال والكفر، الذي لا يدين به إلا كل جاهل ظالم فاجر.
(1) كلمة تضجر وتبرم.
لقد استغل إبراهيم عليه السلام موضع الحجة حينما قالوا: إن الأصنام لا تنطق، فكلمهم موبخا على عبادتهم تماثيل لا تنفع بذاتها ولا تضر، ثم حقّر شأنها، وأزرى بها حين قال: أُفٍّ لَكُمْ. وهذه لفظة تقال عند المستقذرات من الأشياء، فيستعار ذلك للمكروه من المعاني، كهذا وغيره.
ولما تفوق إبراهيم عليه السلام بحجته الدامغة على قومه، وظهر الحق، وبان زيف الباطل، لجؤوا إلى الإيذاء والإضرار، والتخلص من إبراهيم جسديا، فقال بعضهم لبعض، والقائل هو نمروذ بن كنعان، أو رجل من أتباعه: احرقوا إبراهيم بالنار، وانصروا آلهتكم إن كنتم ناصريها حقا، فجمعوا حطبا كثيرا، ورموا إبراهيم من أعلى منجنيق، بعد أن شدّ برباط، ووضع في كفة المنجنيق، ثم ألقي في النار.
ولكن الله غالب على أمره، وقاهر كل شيء، وحافظ رسوله ونبيه، فحماه وعصمه من أذى النار، وسلب تأثير النار فيه، وقال: يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ أي كوني بردا غير ضار، فكانت النار وسطا لا حامية ولا باردة، ولو قال:«كوني بردا» فقط، ولم يقل:«وسلاما» لكان بردها أشد عليه من حرها.
وبرودتها حدثت بنزع الله عنها طبعها من الحر والإحراق، بعد أن احترق الحبل الذي ربط به إبراهيم فقط، وبقيت إضاءة النار وإشراقتها واشتعالها كما كانت، والله على كل شيء قدير. قال بعض العلماء: إن الله تعالى لو لم يقل: «وسلاما» لهلك إبراهيم من برد النار.
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن إبراهيم لما ألقوه في النار، قال:«حسبي الله ونعم الوكيل» وقالها محمد عليهما السلام حين قالوا (أي المشركون) : إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 3/ 173] .